الأحد , 5 مايو 2024

مرفت العريمية تكتب: رفقا بالمرضى (2)

= 1537

Mervat Oraimy 2


استكمالا لموضوع الأخلاقيات الطبية يقول أحدهم “بدون قراءة تاريخي الصحي.. الطبيب يكتب لي وصفة أدوية جديدة بجرعات مختلفة علما أنني أعاني من حالة صحية معقدة ونادرة وبعض الأدوية لا تتناسب معي!! وبعد مناقشتي للصيدلانية وجهتني الأخيرة أن أطلب مقابلة الطبيب مرة أخرى، وأن أبحث معه الأمر، وهذا يتطلب موعد جديد بعد أشهر..    

هناك تغير في الأخلاقيات الطبية من التحديات التي تواجه المؤسسات الصحية فغياب بعض المعايير الأخلاقية قد يعود إلى تغيير في شروط القبول في الكثير من كليات الطب، فلم تعد بعض الكليات تهتم بالاختبارات الشخصية لدى المقبولين في كليات الطب ولا تحرص على انتقاء أصحاب الكفاءة العلمية المشهود لهم بقيمهم الإنسانية العالية، وقد نذهب إلى أبعد من ذلك حيث إن هناك من يتخرج بمعدل مقبول، دون الوضع في الاعتبار النتائج التي ستترتب على ذلك من ضعف كفاءة المؤسسات الصحية وتعريض حياة الناس للخطر.

المؤسسات الصحية بحاجة إلى تطبيق نظام تقييم ٣٦٠ درجة أي أن يتم تقييم الطبيب على سبيل المثال من زملائه والمرضى ومسؤوله المباشر فبدون تقييم حقيقي لأداء الأطباء والمؤسسات الصحية لا يمكن رفع جودة الأداء أو تطويره، وكما قيل من أمن العقوبة أساء الأدب. ومهنة الطب تعد من أشرف وأنبل المهن على الإطلاق واعتبرتها الشرائع السماوية من أرفع العلوم بعد العلوم الدينية فقد قيل قديما إن “لا علم إلا علم الأديان والأبدان”. فسلامة الأبدان تعني صلاح العقول، والأبدان وبالتالي تصبح النفوس سليمة وتتمتع بروح الخير والسلام. وقال النبي عليه أفضل الصلاة والسلام: "سلوا الله العفو، والعافية، والمعافاة، فما أوتي أحد بعد اليقين خيرا من معافاة”.

وذكر الطبيب الدمشقي ابن أبي أصيبعة في كتابه عيون الأنباء في طبقات الأطباء "وجب على من يمتهن مهنة الطب أن يتقنها ويفطن بكافة بواطنها لأن الإنسان الذي يتمتع بصحة كاملة يكون قادرا على عمل الخير في الدنيا لما فيه صلاح آخرته". وقرأنا على لسان بعض الحكماء:  ”إن المطالب نوعان خير، ولذة، وهذان الشيئان إنما يتم حصولهما
للإنسان بوجود الصحة، لأن اللذة المستفادة من هذه الدنيا، والخير المرجو في الدار الأخرى، لا يصل الواصل إليهما إلا بدوام صحته وقوة بنيته،… فوجب، إذ كانت صناعة الطب من الشرف ذا المكان وعموم الحاجة إليه داعية في كل وقت وزمان، أن يكون الاعتناء أشد، والرغبة في تحصيل قوانينها الشكلية والجزئية آكد وأجد”.

 فمنذ أن بدأ الإنسان مزاولة الطب وضع لها شروطا كثيرة تستصعب على الكثير إتقانها لذا نجد كثيرا من دول العالم تضع شروط قبول عالية واختبارات تحديد مستوى لكل من يرغب في امتهانها.

فهذه المهنة لا مكان فيها إلا للنابغين ممن يتحلون بسمات جسدية ونفسية محددة ذكرها "أبقراط" في وصيته فقد كان يشترط أن تتوفر هذه الصفات في كل متعلم للطب. وقال: "ينبغي أن يكون المتعلم للطب جيد الطباع، حديث السن، معتدل القامة، سليم الأعضاء، يتحلى بطباع جيدة، حسن الحديث والفهم، صحيح الرأي عند المشورة، يتحلى بالفراسة، متحملا للشتيمة، غير محب للمال، متمالكا لنفسه عند الغضب، أن يكون رحوما بالمريض مشفقا عليه، ذكي غير بليد، محافظا للأسرار، حسن المظهر والهندام طيب الرائحة، نظيف البدن والثوب، رقيق اللسان لطيف الكلام، حريصا على التعلم والتعليم ومنفعة الناس، غير منغمس في ملذات الحياة والتنعم.

ويجب أن يكون سليم القلب، عفيف النظر، صادق القول، لا يتعدى على خصوصيات الناس، أن يكون مؤتمنا على أرواح الناس ويعالج عدوه كما يعالج صديقه. وأن يتحلى بالصبر والروية وحسن الخلق وأن يكون لطيفا رفيقا على المرضى، وفي هذا المقام ذكر الرازي أن على الطبيب مراعاة الحالة النفسية للمريض لأن تعافي البدن يمتع المريض بنفسية جيدة حيث قال: "ينبغي للطبيب أن يوهم المريض الصحة ويرجّيه بها، وإن كان غير واثق بذلك، فمزاج الجسم تابع لأخلاق النفس.”
————–
* مرفت بنت عبد العزيز العريمية – كاتبة عمانية.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 11800 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.