الجمعة , 3 مايو 2024

عبد الرزّاق الربيعي يكتب: ربيع القلوب الدائم

= 2060

razaq(1)

 
ما أن يهلّ هلال رمضان حتّى أرى  الكثير من الزملاء يواظبون على قراءة القرآن الكريم ، لما في قراءته بهذا الشهر من أجر كبير، يقول أحد الصالحين " إذا ضاقت في وجهي الدنيا قرأت صفحات من القرآن ، وما هي إلا أيّام ،ويفتح الله لي من حيث لا أحتسب رزقا، وعلما، وفهما"، وأعرف  زميلة، اعتادت أن تختم كتاب الله  مرّة واحدة كل ثلاثة أيام، خلال الشهر الفضيل، لأنها تدرك جيّدا "إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ" كما يقول تعالى في الآية 29 من "سورة فاطر"..

فقراءة القرآن، وتلاوته، وتدبّر معانيه عبادة من العبادات، بل من أفضلها ، كما يشير  الحديث الشريف "إنّ أفضل عبادة أمّتي تلاوة القرآن" الذي أنزله الله سبحانه وتعالى في هذا الشهر، كما في قوله تعالى" شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ" البقرة: 185، وقد كان سفيان الثوري عند حلول الشهر الفضيل يترك النوافل، ويقبل على قراءة القرآن، وإذا كان الربيع هو رمز للجمال، فالقرآن الكريم هو ربيع القلوب، كما جاء في الحديث في الدعاء إلى الله "أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همّي"، ومن يداوم على قراءة القرآن بتدبّر سيغمره شعور بالطمأنينة، وجلاء الحزن، مهما بلغت درجته، وفيه شفاء من أمراض مستعصية لما لآياته من أثر نفسي عظيم على النفس.

وخلال اقامتي في "صنعاء" اعتدت أن أخصّص  ما لا يقلّ عن ساعتين قبل  الإفطار مع صديق لي، أمضي ذلك الوقت في رحاب كتاب الله،  فأقرأ آية من الآيات ، ويقوم ذلك الصديق بقراءة تفسيرها، ومعاني مفرداتها، واعرابها ، ثم ننتقل إلى الآية التي تليها، حتى نكمل السورة، وقد قرأنا بهذه الطريقة عدّة أجزاء، فالقرآن الكريم بحر واسع ينطوي على الكثير من  المعاني ،والأسرار، والقصص، والمواعظ، والتجليات الروحيّة، والعبر، وهو منهج ينظّم حياة البشر، والعلاقات الإنسانيّة، والأحكام ،مناقشا أدقّ تفاصيل الحياة اليوميّة.

ورغم هذه المنزلة العظيمة لقراءة القرآن خلال الشهر الفضيل إلّا أن قراءته على امتداد العام تجعلنا ننهل من نوره كلّ يوم، فليس من الصحيح أن نعكف على قراءة كتاب الله في شهر رمضان، ثم نضعه على الرفّ بقية شهور السنة!.

ومنذ سنوات بعيدة دأبت، بعد صلاة الفجر، وقبل أن أتناول إفطاري ، افتتاح صباحي بقراءة ما تيسّر من آياته يوميا، بتدبّر، وتأمّل، وتفحّص، وتفكّر، بما لا يقلّ عن أربع صفحات ، وبشكل متسلسل، وهو درس تعلّمته منذ أكثر من عشرين سنة من صديقي الشاعر أديب كمال الدين، ذي التجربة الشعريّة التي تستمدّ وهجها من لغة القرآن، وبنائه اللغويّ المتين، وروحانيّاته ، حينما أقمنا شهورا في سكن واحد بالعاصمة الأردنيّة عمّان، رغم إنّه كان يختم يومه قبل النوم بقراءة القرآن، بينما جعلت هذه القراءة عادة صباحيّة، إذ تكون النفس مفتوحة لاستقبال يوم جديد ، ولم أتوقّف عند قراءته، فقط ، بل  تدبّر معانيه، وأسراره، فإذا أشكل علي معنى من المعاني ،أبحث عنه في المعجم، وإذا غمض علي تأويل آية، ألجأ إلى  التفسير، وإذا مرّ بي دعاء، أقوم بالتوقّف لأردّده مع نفسي..

ويوما بعد آخر، صرت أتبّحر في معاني كتاب الله، وأسبح في فضاءاته، وأنهل من فيض أنواره، فحين نجعل قراءة القرآن مثل الصلاة ممارسة يوميّة نجني فوائد جمّة، فاذا كانت الصلاة وقوفا بين يدي الخالق، فقراءة القرآن مخاطبة معه سبحانه وتعالى، قال رسول الله "إذا أحب أحدكم أن يحدّث ربّه فليقرأ القرآن"، فهو ربيعا قلوبنا الدائم .

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 10730 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.