الخميس , 2 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: ومضات أنثى الدهشة!

= 1590

razaq(1)


 إلى وقت قريب كانت المرأة الشاعرة في منطقة الخليج،على وجه الخصوص، إذا تكلمت في الحب، والبوح عن خلجات ذاتها،  فإنها تلجأ إلى النشر باسم مستعار، أو تنشر ماتكتب  باسمها الحقيقي، ولكن  بعد أن تنحّي أنوثتها جانبا، أوّلا ، فتتحدّث عن قضايا تشترك بها مع الشعراء ، كالوطن ،والمجتمع ، والطبيعة ، وموضوعات أخرى ، فتجد نصوصها الطرق سالكة لمرورها دون أيّ حرج اجتماعي، ولأنّ ظاهرة التخفّي تحت الأسماء المستعارة لم تعد مقبولة مع التطوّرات الاجتماعيّة التي حصلت في المنطقة، لذا صرن  الشاعرات يفضّلن الخيار الثاني ، مع وجود شاعرات يمتلكن الجرأة الكافية، ولكن لا يمتلكن الحس الأنثوي الذي يفيض على نصوصهن، وشيئا ، فشيئا اختفى حسّ الأنوثة في الشعر الخليجي ، على وجه الخصوص والعربي، عموما، مع وجود استثناءات قليلة من الشاعرات أطلقن العنان لأنوثتهنّ، فتكلّمن عن الحب، والعاطفة.

 لذا لفتت نظري مجموعة للكاتبة وفاء سالم هي أقرب ما تكون إلى روح الشعر، رغم أنّها وصفتها على الغلاف بـ"نصوص" حملت عنوان "جلالته"، الصادرة  عن "مسارات" للنشر والتوزيع –الكويت ، فابتداء من العنوان الذي يفخّم المعشوق، إلى  لوحة الغلاف التي رسمتها ريشة الفنانة عالية الفارسي، وتضمّنت مشهد عناق حميم ، عبورا إلى الإهداء، إذ أنّها تهدي مجموعتها إلى قلبها الذي تخاطبه بقولها" لا مساحة لك غير نصفك الذي تهرب منه ، لذلك كن ممتلئا بكلّ ما هو جميل ،وبالحبّ كيلا تموت وحيدا"، وفي ذلك كلّه  تسجّل الذات الأنثويّة حضورها  في نصوص وفاء سالم، وحتى الكلمات التي سبقت توقيعها على نسختي من الكتاب وكانت" لعلّه وجد أنثاه، ولعلّ أنثاه تنتظر حضوره"، والإصدار بمجمله هو تنويعات على نصّ واحد في العشق، والمعشوق، والعاطفة الجيّاشة، ويتكرّر لفظ "الأنثى" في أكثر من موضوع من الإصدار إبتداء من نصها الأول "حضور"، إذ  تقول:


"أتيتك هاهنا

لأكون أنثاك التي سرقها قلبك منها، وأكون قصيدتك "

وتفصح عن ذوبان العاشق في حضور المعشوق " أنثى اللحظة والدهشة كنت لك، وفراشة الخوف والوجد صرت لك"

وتخاطب المعشوق الذي أدار ظهره لسواها  " يا رجلا نفض قلبه من كلّ النساء وقيّد قلب روحي به"

وتلجأ إلى المفارقة " يذهلني حضورك الغائب " وصولا إلى المعنى الخفي الغائص في أعماق النص من خلال توظيف اليومي " كانت أميرة العطر وحاشيتها الفراشات والريح تفتح لها ذراعيها

تعري الخريف ويبقى عطرها يفوح "

وتكتب ما يشبه الومضات الشعرية، فتبثّ رسائل سريعة ، وتكثّف رؤاها بجملة واحدة ، لكنّها تقول معنى كاملا بأقلّ الألفاظ ، وهو ما يسمّى في البلاغة (الإيجاز) ، وهو ما وجد تقديرا ،وثناء في التراث البلاغي العربي يقول الجاحظ " وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره"  دون أن تغلق المعنى على القارىء ، ومن ذلك قولها" أحبك لجميع الأسباب التي لا تعرفها"،  و" في غيابك تدثرت بك.."، و"لم نعد نشبهنا ،كلّ واحد منّا يشبه الآخر"وقد تختصر ذلك في ثلاث كلمات كقولها " قلبي بساط عشقك " أوخمس كلمات بقولها " ينام وقلبه مفتوحا على قلبها" ،و" يخوض كلّي حرب الحنين إليك"، و" هذا الغياب يختبر أنوثتي"  

أو تتجاوز إلى المقطع فتقول:

" أعضّ أذن كلماتك…

أغيظ شفاه عشقك

فقط لأسمع منك "أحبّك"

أو تطرحها على هيئة سؤال" هل يصاب الحب بحالة تشنج؟"

" كم من الحماقات أحتاج لأتعثر بك أكثر؟"

" ما الذي يربك الحب ويقلق مضجعه؟"

"كم سلّما تحتاج الفراشة لتصل قلبك وتتخذه وطنا؟"

 وهي أسئلة لا تبحث عن جواب ، لأنّها مجبولة من مادّة شعريّة، وإنّما تكتفي برسم الدهشة ، التي تكبر حين تصل المحبّة درجة الذوبان الكامل، تقول في نصها الأخير"مهرب" " أشتهي أن ألتقيك في مخرج الهروب، وأجدك فيّ..وأجدني بك"

إنّ مجموعة " جلالته" لوفاء سالم تبثّ رسائل، بلا تزويقات لفظيّة، دون استحضار لأصوات أخرى من خارج النص سوى صوت الأنثى  الذي ينساب هادئا، كمياه جدول يغذّي شرايين الأرض بالحياة ،والجمال.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 10162 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.