الجمعة , 3 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: “نار الأناضول ” تتوهّج في “مسقط”

= 1757

razaq(1)

 

في ليلة تركية، امتزجت بها فنون الرقص الشعبي بالموسيقى،  رفرفت روح "هوميروس" على رؤوسنا بدار"الأوبرا" السلطانية مسقط، فروت الأجساد عبر الأداء التعبيري،والاستعراضات الراقصة، والسيونوغرافيا المبهرة حكاية مدينة طروادة الأسطورية، التي ورد ذكرها في "الإلياذة" ، ويعتقد أن أحداثها وقعت في عام 1180قبل الميلاد، هذه الحكاية جاءت بها فرقة "نار الأناضول" إلى "مسقط" في عرض وضع موسيقاه يوجيل أرزين، وأخرجه مصطفى أردوغان، مدير الفرقة الفني الذي جعل رسالتها "الدعوة إلى نشر ثقافة السلام، والتقاء الحضارات" ، والحكاية تبدأ حينما يعود  الأمير الشاب "باريس" إلى القصر الذي ولد فيه للقاء أخيه "هكتور"، وتحذيرات اختهما " كساندرا" التي ظلّت تكرّر أن عودة "باريس" ستجلب اللعنة إلى طروادة، محذّرة ، ولكن لا أحد يستمع لتحذيراتها التي تشبه نبوءة "زرقاء اليمامة" في أدبياتنا..

وإذا كانت "زرقاء اليمامة" قد تركت لحالها،واتّهمت بالهلوسة، كونها صارت ترى الأشجار تمشي ، فمصير "كساندرا" التي ردّدت على مسامع النساء المحيطات بها " لا يستطيع أحد إغراق الأحلام في الماء ، النار التي تغذت بداخلكن سوف تبتلع طروادة في النهاية" ، كان السجن تنفيذا لأوامر والدها الملك "بريام"، وبعد دخول "هيلين" قصر طروادة العظيم اندلعت الحرب،  ونجح أبناء طروادة في صدّ الهجوم عدّة مرات، وحاصر الإغريق مدينة طروادة عشر سنوات، وذات ليلة انسحبوا، مخلّفين وراءهم حصانا خشبيا عملاقا، نظر الطرواديون للحصان كغنيمة ، وعبروا به أسوار مدينتهم، وعندما حلّ الليل، انفتح باب سري داخل الحصان خرج منه مئات الفرسان الإغريق الذين هاجموا الجنود الطرواديين، ونجحوا باحتلال المدينة  .

هذه الحكاية قدّمت في عرض من عدّة لوحات ، عبر  عشرات الرقصات الشعبية التي عكست ثقافة مختلف الأقاليم التركية، على ايقاعات الموسيقى الساحرة، فعكست روح الشرق، وظهر الراقصون، والراقصات بمختلف الأزياء ذات الألوان الجميلة،وتحرّكوا ضمن فضاء السينوغرافيا المرسوم بشكل أدخل الجمهور في أجواء زمن الحكاية ، وكانت شروحات كلّ مشهد تظهر على شكل جمل قصيرة على خلفيّة المسرح باللغتين العربية، والإنجليزية، ليعرف الجمهور تسلسل الحكاية، ومضمون كلّ لوحة، وهذا جعل التواصل عاليا بين الجمهور، وما يدور على الخشبة ، وزاد من ذلك تنفيذ مشاهد القتال بالسيوف بشكل دقيق، ومبهر حتى أنّ الشرر كان يتطاير من أطراف السيوف، الى جانب الخفة، والرشاقة في الأداء،وبلغت ذروة العرض مع دخول حصان طروادة المسرح بحجمه الكبير ، تحفّ به جموع المستعرضين ليمتليء المسرح بالحيوية، والنشاط .

ولعبت الإضاءة دورا كبيرا في تعميق الأحداث، وقد استعان المخرج بصور لتماثيل، ورسومات قديمة وضعها كخلفيّة لبعض المشاهد، مراعيا الدقّة المتناهية في ترجمة  الرسومات القديمة التي وجدت على جدران الكهوف ، والألواح، إلى مشاهد بصريّة حيّة ومتحرّكة في عرض يظهر بشاعة الحرب، داعيا إلى نبذ العنف عن طريق بثّ رسالة السلام،

هذا العرض المبهر لفرقة "نار الأناضول" جعلني، بعد مشاهدته،  أرثي  لحال فرق الرقص الشعبي العربية التي هي اليوم  في حالة تراجع، وشيخوخة، فصارت تعيش على تراث المؤسسين الأوائل، لعجزها  عن تقديم عروض ابداعية جديدة، وذلك يرجع  إلى العديد من الأسباب التي من بينها عدم الإهتمام بهذه الفرق، وتوقّف دعم وزارات الثقافة، و عدم وجود رعاية تجارية من الشركات، والمؤسسات على نحو ما كان حاصلا في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي ، إلى جانب تنامي التيارات المتشدّدة الذي أدّى إلى الجهل بالدور الثقافي لهذه الفرق، كونها تحافظ على التراث الشعبي ،وتصونه من الاندثار،  وحتّى أنّ الأفلام السينمائيّة كانت تستعين بهذه الفرق لتقديم فقرات راقصة تضفي مسحة جماليّة وثقافيّة على خطوطها الدراميّة، كما كان الحال مع فرقة "رضا" التي شاركت في عشرات الأفلام المصريّة ، إضافة إلى توقف العديد من المهرجانات الفنية التي تقوم بدور فاعل في الحراك الثقافي في المشهد العربي،   وتراجع الأسابيع الثقافية التي كانت تجعل تقديم عروض هذه الفرق من بين أهمّ فقراتها، وهذا أدى الى تجمّد عملها، وأنشطتها .

ومع أنّ هذه المقارنة، عكّرت مزاجي ، كانت متعتي كبيرة بالعرض الذي سافر بنا عبر الزمان والمكان ونحن نعتلي حصان طروادة، ونسير على وهج "نار الأناضول".

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 11075 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.