الأحد , 28 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: “عمر بن أبي ربيعة” بدار الأوبرا

= 1903

razak


تناولت الكثير من الأعمال الروائية، والمسرحية شخصية ( زير النساء) كما يطلق في ثقافتنا على الرجل الذي يغوي النساء أو( الدنجوان) كما هو معروف لدى العالم الغربي، وغالبا ما تظهر هذه الشخصيّة التي  عُرفت في الفولكلور الإسباني، وذاع صيتها في أوروبا في القرن السابع عشر، بثوب رجل مغرور انطلاقا من ظنّه أن نساء الأرض مغرمات به، ويقعن في حبّه، كما عنّ لعمر بن أبي ربيعة، حين صادف ثلاث فتيات في الطريق ، فقال:

بينما ينعتنني أبصرنني
دون قيد الميل يعدو بي الأغر
قالت الكبرى: أتعرفن الفتى؟
قالت الوسطى: نعم هذا عمر!
قالت الصغرى وقد تيّمتها
قد عرفناه وهل يخفى القمر؟

ويبلغ الغرور أقصاه عندما يقول عن امرأة وقعت في شباكه:

وأنها حلفت بالله جاهدة
وما أهل له الحجّاج واعتمروا
ما وافق النفس من شيء تسر به
وأعجب العين إلاّ فوقه عمر!

هذه النرجسيّة أهمّ سمة في شخصيّة (الدنجوان) التي تتضح أكثر في قوله:

تقول اذا ايقنت أني مفارقها                      ياليتني مت قبل اليوم يا عمرا

و( الدنجوان) هو بنظر علماء النفس شخص مريض، يتمحور حول ذاته، كثير التلوّن، والظهور، والاختباء، وحين يظهر لا يكون له همّ سوى اشباع غرائزه، وقد وجد فيها الشعراء، والكتّاب مادّة خصبة لأعمالهم الشعريّة، والسرديّة، والمسرحيّة، وكانت غالبا ما تظهر بشكل كوميدي، ومن بين هذه الأعمال قصيدة لبايرون. ومسرحية لبرنادشو، ويعدّ النقاد رواية "دون جوان تينوريو"، للكاتب خوسيه زوريللا أفضلها ، ولكن حين يمرّ اسم الـ(دونجوان) في الأدب، والفن، فلا يمكن أن نتخطّى اسم الموسيقار(موزارت) الذي قدّم  هذه الشخصيّة في عرض أوبرالي، حمل عنوان  (الفاسق يُعاقَب ، أو دون جيوفاني)، وذلك عام 1787، فأحدث عقب عرضه دويّا ، كون موزارت وضع فيها عصارة عبقريّته، بخاصّة أنّها جاءت منسجمة مع المواضيع التي تشغله كغلبة نزعة الشر في النفوس، والمخاوف، والرعب، والقوى الغيبيّة ، والعنف، والغموض الذي يلفّ الأشياء، لهذا ابتعد العرض عن الطروحات التقليديّة المباشرة، والحبكات السطحيّة التي يغلب عليها الطابع الهزلي، فجاء العرض  ساحرا، حتّى أن  سورن كيركيغارد  عدّ العرض  " الأوبرا المثالية والكاملة في عصرها"،  وقد أتيحت لي فرصة مشاهدة هذا العرض  على دار الأوبرا السلطانية مسقط ، بأداء فرقة (أوبرا دي ليون) الفرنسية.

لقد ظهر "دون جيوفاني" ، الذي لعب دوره باريتون سيمون ألبرجيني، على المسرح بهيئة رجل يعيش عالم اللذة، ولكن في عتمة الليل، خوفا من افتضاح أمره، وقد وضع موزارت مقاطع موسيقية سعى من خلالها إلى إخفاء اضطرابه النفسي، والعاطفي خلف قناع اللذّة، وما بين الهروب من علاقات سابقة، والبحث عن نساء جدد يحاول أن يتقمّص أكثر من شخصيّة لكي لا ينكشف أمره، لكنّ الحال لم يستمر طويلا إذ يفتضح، ويلقى عقابه العادل في المشهد الأخير، فـ(الفاسق يعاقب) كما جاء في عنوان العرض، وكلّ ذلك يأتي بمصاحبة عزف احتفالي وضع مفرداته  موزارت ، وترجمته أوركسترا وجوقة (أوبرا دي ليون) بقيادة "كازوشي أونو"، وهي من الفرق المعروفة عالميّا، فمنذ تأسيسها، شاركت الأوركسترا في أكثر من سبعين تسجيلاً، ونالت على الدوام العديد من الجوائز، والتكريمات من الصحافة الموسيقية، والمشاركات داخل فرنسا، وخارجها، مثل مهرجان أدنبرة، ومهرجان أثينا، وأمستردام، ومسرح الشانزليزيه، و "أوبرا كوميك".

لقد رأينا بشخصيّة (دون جيوفاني) الكثير من الشخصيّات التي قرأنا عنها في تراثنا، فشعرنا بأن (عمر بن أبي ربيعة)، وهو يعدو على فرسه، يتبختر أمام نساء منبهرات بفتى لا تخفى هويته عليهن، إذ يعرفنه مثلما يعرفن القمر!

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 6204 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.