الخميس , 2 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: بيوتٌ عامرةٌ بالأحضان

= 1488

 

razaq(1)
 
يعاني إنساننا المعاصر من جفاف في المشاعر، والعواطف، لأسباب عدّة منها: طغيان الحياة الماديّة، وهيمنة التكنولوجيا على حياته، واللهاث اليومي وراء متطلّبات الحياة، مما أدّى إلى تقطيع الصلات الاجتماعيّة، وتعرّض العلاقات الإنسانية للبرود العاطفي، هذا البرود تحوّل إلى قطيعة بين صلة الأرحام، والجوار، وزملاء العمل، ونتجت عنه حالة مرضيّة طالت فئات من المجتمع، فأضحى الإنسان شبيها بالآلة، لا وقت لديه للتواصل، وتقديم العون لمن هو بحاجة له، ومثل هذه الحالات خطيرة، كونها تؤثّر على أداء الإنسان في عمله، وتخلّف اضطرابا في سلوكيّاته، بما ينعكس  سلبيّا على حياته، ومجتمعه، وقد يتفاقم الوضع، ويتحوّل إلى شخصيّة عدوانيّة، وعليه لابدّ من معالجة هذا الجفاف، ولعلّ أبرز الحلول، كما يتّفق المتخصّصون، تكون بتغذية الجانب الروحي بتلاوة القرآن الكريم، فتغمر النفس طمأنينة، "ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب"، وقراءة الشعر، وسماع الموسيقى الهادئة.

 ولكنّ الدكتورة المصريّة سها عيد ذهبت إلى أبعد من ذلك في دراسة لها نشرت مؤخّرا، فأضافت الارتماء في الأحضان، ليكون علاجا نفسيا جديدا، كون الأحضان  " تعمل على تفريغ شحنة الألم المكنونة، والطاقة السلبية، وذلك انطلاقا من أهمّيّتها للتوازن، والصحة النفسية، سواء للمرأة، أوالرجل، هذا التوازن"يمدّ جسورا كبيرة لانتقال المشاعر، والأحاسيس" كما تقول، واستنادا إلى دراسات ميدانيّة ترى أن الحياة الزوجيّة، لكي تكون مثاليّة، فإنّ الزوجين "يحتاجان إلى أكثر من 15 ضمة يوميا، فهذا يعمل على سعة الصدر، كونها منطقة العواطف، والأحاسيس، والاتصال بين البشر والمواجهة"، وهذا لا يعني أنّ الطبيبة المعالجة، أو الطبيب، هما من يقوم بعملية العلاج، بالضرورة، بل يمكن الاستعانة بشخص قريب من المريض للقيام بالمهمّة، كالزوج، والأخ، في جو يتّسم بالهدوء، والأضواء الخافتة، و… بالهناء والشفاء!

وبناء على هذه المعطيات العمليّة، فإنّ الأحضان يمكن أن تكون دواًء، يشفي العليل، وقد تقوم بأدوار أخرى، كأن تكون وسيلة لجمع التبرّعات لدعم الجمعيّات الخيريّة، كما يحصل في أوروبا، حيث البرد الذي لا يخفّف قسوته سوى دفء الأحضان، كما لاحظت في جلاسجو باسكوتلاند، عندما تعرّضت المدينة إلى عاصفة ثلجيّة، فتعطّلت بعض المؤسسات عن العمل، وكثرت التجمّعات، فإذا بفتاة تحمل صندوقا صغيرا، ولافتة كتبت عليها" حضن بجنيه استرليني واحد "،فسألت الصديق الشاعر إبراهيم السالمي، وكان مقيما فيها للدراسة عن ذلك، فأجاب "هذه طريقة ودّيّة لجمع التبرعات، وقد تكون تلك الأحضان مجانيّة في حفلات التخرّج، والمناسبات الطلابيّة"، كما قال ، وتكون بهدف نشر ثقافة الود، والسلام، في جوّ من الأخوّة ،والمرح. 

وتنشيطا لهذا الجانب يحتفل عدد من دول العالم،بــ"اليوم العالمي للعناق"، الذي يصادف الواحد، والعشرين من يناير كلّ عام، وخلاله يتبادل المحتفلون  الأحضان، مثلما يتمّ الاحتفال  في السادس من يوليو من كل عام، بيوم التقبيل العالمي، وقد تكون الأحضان ركنا من أركان التحيّة ، ولكنّها غالبا ما تكون أحضانا سريعة يكون مسك ختامها قبلة خفيفة على الخد، كما هو شائع في أرمينيا، وبالطبع، فإنّ الأحضان  ليست فرض عين على كل إنسان، "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وليس بالضرورة أن يكون التعبير بالعناق، فلكلّ شعب من الشعوب طرقه في الإفصاح عن مشاعره،وعواطفه، فقد تنوب المصافحة عن ذلك، وقد جاء في الحديث الشريف "تَصَافَحُوا يَذْهَبِ الْغِلُّ ، وَتَهَادَوْا تَحَابُّوا وَتَذْهَبِ الشَّحْنَاءُ"، ففي المصافحة تدعيم لروابط المودّة، وتفريغ الشحنات السلبية.

 وقد تزيد بعض الشعوب على المصافحة، بتقبيل الرؤوس،كما نجد في الدول الخليجية بمايعرف بـ"التخشيم"، وتتمّ من خلال  احتكاك الأنفين كبديل عن القبلة، كون الأنف رمز العزّة، والأنفة عند العرب، منذ القدم، ولا يشبههم في هذا سوى سكّان المناطق الريفيّة في نيوزيلندا، إذ تكون المصافحة بملامسة الأنوف مع إغماض العينين، ومن الأعلى نزولا إلى الأسفل، قد تكون الإنحناء ، وملامسة الأقدام وسيلة تعبير عن الودّ ، والإحترام، والتقدير، كما نجد في الهند، وبالطبع بعد المصافحة  .

غير أنّ الكثيرين في البيئات المحافظة يتحرّجون من إظهار مشاعرهم، حتى بين أفراد الأسرة الواحدة، وطحنت عجلة الحياة اليوميّة روح الإنسان، ولم يبق أمام البعض، سوى مراجعة عيادات توصف علاجا غالبا ما يكون موجودا في البيوت الدافئة بالحنان، والعامرة بالأحضان.

——————–

Razaq2005@hotmail.com

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 10092 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.