الأحد , 28 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: أحلام للبيع..!

= 1991

razaq(1)


بينما كنت جالسا، في مقهى مع صديق، أقبل عدد من باعة بطاقات اليانصيب لطاولتنا، عارضين على صديقي ما لديهم من بطاقات فاشترى مجموعة منها عن طيب خاطر، وشعور بالنشوة، كما لمست ذلك ، وسلّمهم  ثمنها، ومضوا، فلم أستطع أخفاء دهشتي ، لعدد البطاقات التي اشتراها، ومعرفة الباعة به، لذا سألته، حين انصرفوا : يبدو إنّ باعة أوراق اليانصيب يعرفونك؟

فأجاب: بالطبع، ثم أكمل "ليس فقط من رأيت ، بل معظم باعة أوراق اليانصيب في هذه المنطقة يعرفونني ،  فقد اعتدت على شرائها  منذ أكثرعشرين سنة!!"

زادت دهشتي، فسألته: وكم مرة ربحت؟

أجاب، مبتسما  "قد تستغرب حين أقول لك :لم يحالفني الحظ ّأبدا!!"

سألته: إذن، لماذا تضيف لخساراتك خسائر ما دام الحظ لم يبتسم لك طوال تلك السنوات؟

عاد بجسده إلى الخلف قليلا، وأخذ رشفة ماء، ثمّ سأل " خسائر"؟ ربما من وجهة نظرك ، أمّا بالنسبة لي ، فلا أعتبرها خسائر، لقد اعتدت على شرائها ، وأنا أعلم إنّ الحظ ، لن يحالفني ، لكنني لا أشتري ورقة ، بل  أشتري حلما !!!"

كان جوابا شعريّا، ومع ذلك  لم يكن صادما بالنسبة لي،  فمحدّثي يعيش حياة عاديّة، مملّة ، مليئة بالرتابة ، وتفتقر إلى روح المغامرة، لذا لم يجد أمامه سوى شراء الأحلام !!
والاسترخاء ، وتصوّر حياة أفضل ، وأجمل، تنقذه مما هو فيه من أزمات ، وصعوبات تنغّص عليه حياته.

الأحلام، بضاعة ، قد تجد لها سوقا رائجة،  في البيئة التي تخلو من الحيويّة، والنشاط، وذلك للتنفيس عن الرغبات المكبوتة، التي لا يوفّرها الواقع، ووسط خضمّ الأحلام، لابد من التحلي بروح إيجابيّة، وواقعية، فهناك أحلام مشروعة، فالبذرة التي نزرعها هي مشروع شجرة، ولكي تنمو، وتكبر ينبغي رعايتها، وتوفير الظروف الملائمة للإنبات .

ولكن، في النهاية، نكتشف أنّ بعض الأحلام ليست سوى قصور من رمال، تنهار تحت هبوب أيّة ريح،  فهي أحلام من ورق ،وأقرب ما تكون للأوهام، وبين الأحلام، والأوهام مسافة، خيط رفيع ، والموجع أن نكتشف لاحقا أنّ تلك الأحلام ليست سوى أوهام، وخيبات أمل، تجعلنا ننكفيء على أنفسنا، فنذمّ الزمان، كما فعل أبوالعلاء المعري بقوله:
 
توَهّمتُ خَيراً في الزّمانِ وأهلِهِ
فما النور نوّار ولا الفجر جدول
ولا الشمس دينار ، ولا البدر درهم    
وكانَ خيالاً، لا يَصِحُّ، التوهّمُ

لكنّ أبواب الأمل تظل مفتوحة ، يقول الشاعر:

أعلّل النفس بالآمال أرقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

إنّ كل تقدم عبارة عن حلم يسعى الانسان لتحقيقه ، وكما قال تعالى " وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى "، والمنى هي الحلم ، وهي الأمل،الذي ينقذ صاحبه من الإحباط ،واليأس " ولا تيأسوا  من روح الله "، فالمنى سفينة الطامحين،  وجناح المحلّقين إلى ما يبتغون، ويسعون اليه، وما يحصل من تطورات في الحياة  هي عتبات، ودرجات تدرج عليها المنى، لتنتقل من مرحلة الى أخرى وصولا لغاية الحلم، فـ"السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة" كما قال الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حاثّا على العمل ،الذي  هو المطية لتحقيق المنى ، وهذا يتطلّب وضع خطط ،تصحبها إجراءات تنفيذيّة، ووسائل، وبدون ذلك تصبح " المنى بضاعة المفاليس"، كما قالوا .

إنّ حلم الانسان بالطيران كان أمنية، تحقّقت من خلال اختراع الطائرات ، ولا يزال الإنسان يحلم بسكنى الفضاء ، ولعلّ السنوات المقبلة ستشهد تحقيق هذه الأمنية، مع علمنا أنّ "ما كلّ ما يتمنى المرء يدركه"، والسؤال الذي خطر ببالي ،وأنا أصغي لجواب صديقي ،وهو يقبض على أوراق بطاقات اليانصيب بنشوة ،وحرص ، كمن يقبض على مجموعة من الأحلام، ويضعها في جيبه  : ماذا لو بنى حلمه بعرق جبينه؟

ألا يسعد أكثر حين يشاهده يكبر أمام عينيه؟

وتلك السعادة لا يعادلها شيء ، فبناء الحلم بالتعب،  أفضل من شرائه جاهزا  حين يعرض للبيع في  سوق الأحلام .

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 6152 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.