الإثنين , 29 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: أحزمة ناسفة للعيد !

= 1158

razaq(1)


في صورة مؤلمة نشرت في أحد مواقع التواصل الاجتماعي قامت مجموعة من النساء العراقيّات المتّشحات بالحزن، والحداد بعرض ملابس رجاليّة جديدة على  شرفة إحدى البنايات إلى جانب العلم العراقي، تلك الصورة حملت دلالة واضحة، لكلّ من رآها، فالملابس تعود لشاب اشتراها ليرتديها خلال مناسبة العيد، لكنّ الموت لم يمهله لارتدائها، إذ سقط ضحيّة هجمة إرهابيّة نكراء، حدثت في سوق تجاري في حيّ الكرّادة ببغداد، إلى جانب حوالي 300 ضحيّة أكثر من نصفها تفحّم بسبب النيران التي اندلعت في ذلك السوق الذي كان يضجّ بالمتسوّقين، في تلك المنطقة الحيويّة، والحال ينطبق على المناطق الأخرى التي شملها عنف الإرهاب في الحرم النبوي في المدينة ، والقطيف، واستانبول، ومناطق أخرى من عالمنا الإسلامي المترامي الأوجاع، والمحن، والمحاصر بسموم الإرهاب .

لقد حدث ذلك كلّه، فيما كان شهر رمضان يعدّ حقائبه ليرحل مفسحا الطريق للعيد، كي يتوّج بركات الشهر الفضّيل  بالتماع هلال العيد، ذلك الخيط الضوئي النحيف  الذي يحمل تحت جناحيه حقائب مليئة بالأفراح .

مثل تلك الصورة،بكل ما تحمله من ألم ، شاهدنا الكثير، من مقاطع الفيديو ، والكتابات، والنصوص، والتعليقات، وكلّها تشير أنّ القتلة، المدجّجين بظلام العصور، أرادوا أن ينسفوا فرحة  العيد بأحزمتهم الناسفة، وسيّاراتهم المفخّخة، بتلك الجرائم البشعة، التي راح ضحيّتها أناس عزّل، أطفال ،ونساء، وشباب في مقتبل الأحلام، وشيوخ، في مواقع بعيدة عن ساحات القتال، وامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي ، ونشرات الأخبار، والمواقع الإلكترونيّة، والصحف بصور الدمار،والجثث المتفحّمة، والخراب، وكلمات النعي، ومشاهد حزن أهالي الضحايا، لتحلّ محلّ بطاقات التهاني بالعيد، وأغاني الفرح.

وعاد بيت المتنبّي الشهير:
عيد بأيّة حال عدت يا عيد
بما مضى أم لأمر فيك تجديد

ليحتلّ موقعه في النفوس اليائسة التي أتعبتها صروف الدهر،وتقلّبات أحواله!

وتضامنا مع أسر الضحايا، أعلن الكثيرمن الأصدقاء في العراق  عن اعتذارهم عن تلقي تهاني العيد، عبر منشورات بحساباتهم الشخصيّة في مواقع التواصل الاجتماعي، كردّة فعل على ما جرى ،احتجاجا على استهداف الحياة، والجمال، في أنقى صوره،وقد فوجئت بأنّ البعض ممن هنأتهم بالعيد أجابوني بأنّهم في حالة حداد، ويعتذرون عن استقبال تهاني العيد!

وبالطبع، تفهّمت موقفهم، وقدّرته كثيرا، فقلبي كان يقطر ألما ،وحزنا، ولكن بالوقت نفسه، تساءلت: أليست هذه ترجمة لهدف الإرهابيين الذين يسعون بكلّ ما يستطيعون إحداث هزيمة في الجانب النفسي لكلّ من يقبل على الحياة، ويقارع أعداءها؟

 إنّ هذا هو أقصى ما يريد تحقيقه القتلة بمفخخاتهم، ونيران بنادق أحقادهم، وأحزمتهم الناسفة، ورصاص مسدساتهم الكاتمة الصوت، وهنا يحضرني موقف من حياة الشاعر ناظم حكمت عندما كان معتقلا في زنزانة انفراديّة، وكان كلّما ازداد تعذيب جلاديه له، واغراقهم زنزانته بالقاذورات، لتدميره معنويّا، يرتفع صوته بالغناء، ولم ينقطع عن إظهار سعادته، وعندما سئل عن ذلك ،أجاب بما معناه إنّ غنائي كفيل بإلحاق هزيمة بهؤلاء الجلّادين .

وأرى أنّ احتفالنا بالعيد،يغيظ القتلة، ممن رضعوا سموم الحقد،والكراهيّة على كلّ ماهو جميل، ويهدم مخطّطاتهم، فالعيد يعني الفرح ،والجمال، والحبّ، والأخوّة، وما دام مشروعهم يقوم على تعطيل الأفراح، واجتثاث الحياة من جذورها، لذا كشّروا عن أنيابهم، وسعوا بكلّ ما يستطيعون إلى الإجهاز على فرحة العيد، قبل حلوله بأيّام قليلة، ولكن لو أغلقنا أبوابنا بوجه العيد، فإننا لا نفعل سوى ما يصبون إليه، وما يحلمون بتحقيقه، لذا، فأفضل ردّ عليهم هو مجابهة الموت بالحياة، والقهر بالابتسامة، والسواد والحزن ببياض الفرح.

وتظلّ الأعياد الدينيّة مناسبات، تحتفل بها الشعوب، صغارا،وكبارا، نساء ورجالا، تحت أيّ ظروف تمرّ بها، والحياة طريق مليئة بالمطبّات، والحفر، وتغيّر الأحوال،وحين تقبل، هذه المناسبات،فلن يستطيع أن توقفها سيّارة مفخّخة، ولاحزام ناسف لفرحة العيد .
    

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 7273 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.