الأحد , 28 أبريل 2024

عبدالرزاق الربيعي يكتب: في “عيون” الصحراء المغربية

= 1251

razak


لمدينة "العيون" الرابضة في عمق الصحراء المغربية علاقة عميقة بالشعر، هذه العلاقة جعلتها وجهة للشعر والشعراء، كما يجزم د.عبدالإله بن عرفه ، ولهذا وجدنا أنفسنا نحمل حقائبنا، ونتجه صوبها، ملبين دعوة وجهتها لنا منطقة العيون الساقية الحمراء التي أقامت مهرجان العيون العالمي للشعر بالتعاون مع جامعة سيدي محمد بن عبدالله تحت الرعاية السامية للعاهل المغربي  محمد السادس، وذلك  في المدينة الواقعة بقلب الصحراء المغربية، حمل عنوان" الشعرية الصوفية، وآليات اشتغالها "، فالشعر  المنبثق من عمق الصحراء بمثابة ماء العيون الذي يحيي أرض النفوس ، وبذلك يشير  ابن عرفة  الى  العلاقة بين الشعر، والصحراء، والتصوف" بما تتيحه الصحراء من عمق، وتجريد يجرح التجربة الإبداعية في شفافيتها، وعذريتها، ويمنح حرية عن كل شيء، وارتباطا بكل شيء، فتتجوهر الروح وتشف عن حقيقة الإنسان، وتمنح اللغة جرأة وتلج بها إلى أصل الوضع".

كانت البداية حين انطلقت مع الشاعر سعيد الصقلاوي، وشعراء، وباحثين عرب ،وأجانب، جمعتنا بهم أخوة الكلمة، من مطار محمد الخامس بالدار البيضاء، متجهين صوب جنوب الصحراء المغربية التي تبعد عنها مسافة  1200 كم، تلك المنطقة كانت، إلى وقت قريب ، محتلة من قبل  الأسبان، ثم عادت الى المغرب في عهد الراحل الملك الحسن الثاني في منتصف السبعينيات، لتبدأ عهدا جديدا من البناء الثقافي،والعمراني، والاجتماعي،والاقتصادي، ويحافظ أهلها الذين يعتزون بانتساب قبائلهم للجزيرة العربية على ثقافتهم الصحراوية الأصيلة،ولهجتهم المحلية القريبة من اللهجات المنتشرة في الجزيرة العربية، ومن مظاهر أعتزازهم كانوا حينما يروننا، بزينا العماني، ويتبينون هويتنا ، يرحبون بنا ترحيبا حارا، ويلتقطون الصور التذكارية.

ما أن حطت الطائرة، التي أقلتنا، في مطار الحسن الأول "أحد ملوك المغرب" حتى وجدنا أنفسنا في عيون أهل الصحراء الذين  استقبلونا بحفاوة شفت  عن ضيافة، وطيب كرم أهلها،الذين  اصطفوا رجالا، ونساء  بلباسهم التقليدي الجميل الذي يشبه أزياء الموريتانيين بحكم قربها من موريتانيا، كذلك يشبهونهم  في العادات، والتقاليد الصحراوية .
وكان في مقدمة المستقبلين والي المنطقة أو "الجهة " كما يسمونها،وتزامن وصولنا المدينة التي تتميز بمساكنها الحمراء، وتخطيطها المتناسق، مع حدوث فيضان في قنطرة الساقية الحمراء، فكانت المنطقة في حداد على ضحاياه، وعلمنا أنهم كانوا يعدون العدة لاستقبالنا بالموسيقى الشعبية، لكن الحداد ألغى ذلك، بل أن بعض المتحدثين في حفل افتتاح المهرجان الذي حضره عدد كبير من المسؤولين، والأكاديميين،والشخصيات الثقافية عزوا عوائل الضحايا، وأهل المنطقة، فيما ألقى أحد الشعراء نصا من وحي الفيضان حول عروس لقيت مصرعها فيه..

ومع ذلك ظل المطر علامة بشارة خير في المدينة كعادة أهل الصحراء، فلم يخفوا سرورهم بزيارة الشعراء العرب ،والأجانب مدينتهم، كونها من بشائر المطر، ولم يكتف أهل المنطقة بحرارة اللقاء،وكلمات الترحيب،بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى تقديم اللبن، والتمر، فمن عادات استقبال الضيوف في المدينة لابد من تقديم  من اللبن بوعاء كبير، فيأخذ منه رشفة  مع تناول حبات التمر، و الشاي الصحراوي المغربي الأصيل وهذا عنوان بارز في ضيافة أهل المدينة، فليس الشاي بها كأي شاي آخر، فله طريقة إعداد مختلفة، وطقوس، فهو يعد من ماء الغدير، الذي يجمع من تساقط الأمطار،وتخزن في أماكن خاصة، تحت الأرض في برك مخصصة لهذا الغرض، لأن ماء الغدير يحتوي على معادن كثيرة تكون ضرورية، ومفيدة للجسم، ولتحضير الشاي طقوس خاصة، تقوم على روح الجماعة، فالصحراوي لايشرب الشاي وحده، فلابد من مشاركة الآخرين له، وتبدأ الطقوس  بتحديد وقت البدء، والإنصراف ، ومن المعيب مغادرة الجلسة حتى ترفع صينية الشاي، ولاتنتهي جلسة شرب الشاي، إلا بعد شرب ثلاثة كؤوس، يكون  الأول حارا، والثاني متوسط الحرارة، والثالث خفيفا..

 وخلال ذلك تتنوع الأحاديث،وتتضمن قول الشعر المغنى الذي يسمى الكاف، والشعر الملحون، ويلخص المهتمون تلك  الجلسات بالثلاث جيمات،  هذه "الجيمات" هي ثلاث كلمات تبدأبحرف"الجيم" :الجمر، والجماعة، والجر، أي التطويل بالسهر،وعلاقة المدينة بالليل تتجاوز تلك الجلسات، ففي ساعات الليل، عندما كنا نخرج ، إلى الشوارع لنستنشق الهواء العليل ،بعد انتهاء جلسات المهرجان، نجد مقاهي الأرصفة مفتوحة للزبائن، إذ يطيب السهر مع عذوبة الهواء، وتظل الحركة في الشوارع مستمرة إلى ساعات متأخرة من الليل، وتظل المحلات فاتحة أبوابها في مدينة كسرت عزلتها التي فرضتها عليها الجغرافيا الصحراوية، لتقف فارشة ذراعيها لضيوفها القادمين من كل مكان.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 6471 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.