الأحد , 28 أبريل 2024

عادل عبدالستار العيلة يكتب: العجوز الذي أبهرني!

= 6703

ابتداءً أعلم أن الصحيح أن أستخدم كلمة شيخ وليس عجوز (كلمة الشيخ تطلق على الرجل كبير السن ) ولكنى كتبتها العجوز تماشياً مع العرف وليس اللغة ، فعذراً ايها القارئ الكريم .. وأقول..

أعدتُ حين يخزلنى ذهنى ولا أجد ما أكتبه فى مقالى القادم أن أذهب الى حقلى أجلس هناك على أمل ان أصل من خلال هدوء الحقل الى صفاء الذهن الذى ربما ساعدنى فى إيجاد محتوى مقالى القادم ، وقد فعلت هذا بالفعل أمس الاول وشاء القدر أن أقابل هناك جار لنا كبير السن و معروف عنه ثقافته وفصاحته ، وأخبرته عن سبب تواجدى الان فى الحقل ، حينها ابتسم لى وقال : هى فكره جيده ولكن عليك أن تعرف أن الامر لا يدورحول المكان كمكان ولكن ربما لانك تجد هنا لحظتك الكبرى التى تخرج فيها من حيز الزمن فلا تعد تفكر فى الماضى او المستقبل ، تعيش لحظتك وتغوص فيها ، ولا يلهيك عنها شئ ، ولكى يتضح لك الامر أكثر سأضرب لك مثال : ألم تجلس يوماً تتذكر فيه طفولتك وربما مررت على مكان مررت به فى طفولتك فتشعر بما يُسمونه (النوستالجيا ) حنين شديد الى تلك اللحظات.

نحن فى الغالب لم نعد نعيش مثل تلك اللحظات بعدما كبرنا ، لم تعد للاشياء طعم او معنى ، كل شيئ يمر دون أن يترك أثراً ، فربما تشاهد مسلسل رائعاً الان فلا تتذكر منه شئ بعد أيام قليله ، بينما قد تشاهد بالصدفه فيلم عادى قد شاهدته فى طفولتك فتتأثر به وتعيد مشاهدته وتستعيد المشاعر التى شعرت بها حين شاهدته فى طفولتك ، وهنا ابتسمت وقلت له وكآنك تقرأ ما فى داخلى يا سيدى ، فأكمل وقال .. هذا يحدث للجميع وهذا ببساطه لانك فى طفولتك لم تكن تحمل هماً ، ولم تكن لديك اى حسابات لأى شيئ ، لم تكن تفكر نادماً على ماضى او قلقاً على المستقبل ، كنت تمتص روعة حاضرك لحظة بلحظة ، كل ما تراه وتفعله تشعر بقوة الحياه فيه ، تتشرب جماله وروعته ، لكن حينما كبرت أصبحت قلقاً كعادة البشر حينما ينضجون ، فيشعرون بالخوف من الحياه ، وحينها ستجد نفسك تفكر طول الوقت إما فى الماضى او فى المستقبل ، أصبحت مشغول بلحظة مضت او بلحظة لم تأت بعد !!! بينما اللحظة الحاليه تضيع واحده تلو الاخري ، وفى النهايه ستجد نفسك إنك لم تعيش أصلاً سوي فى طفولتك فقط ، بينما بقية عمرك قضيته فى أزمانٍ أخري ، لذلك فى تقديرى إنك تكتب حين تعيش لحظة الحاضر بشكل عفوي ولا تجد ما يلفت إنتباهك لتفكر فيه ولم تقع فى فخ التفكير فيما وقع لك فى الماضي او ما ينتظرك فى المستقبل ، لذلك تنهمك حينها فى الكتابه وتستغرق فيها وليس بسبب المكان كمكان ولكن لانك عشت لحظتك التى تخرج فيها من حيز الزمن فلا تعد تفكر فى الماضى او المستقبل ، ولو أستطعت أن تعيش تلك اللحظة فى بيتك او فى اى مكان لمكنك هذا من إيجاد ما تريد كتابته.

وهنا شعرت أن شعاع من النور غزي عقلى وذهنى وقررت أن يكون حديثه هو نفسه مضمون مقالى القادم الذى بين يدى القارئ الان ، لذلك طلبت منه أن يزيدنى من علمه وعمق فهمه ، حينها سألنى سؤال فجأه .. أنت كاتب فلماذا تكتب؟ فقلت له أنا أكتب منذ الصغر وحين كبرت وجدت أن فى الكتابه وسيله لتأمل الحياه ، فنظر لى وقال .. أحياناً يأتينى خاطر بأن كل شئ نفعله فى حياتنا يهدف الى غاية أسمي منه لكننا لا ندرك هذا ، فمثلاً أنا أقضى وقتاً طويلاً فى القراءة والبحث فى الكتب ولكن لماذا هذا الجهد فى القراءه ؟؟ لم يكن شراء الكتب وقراءتها غايتى .. بل لكى أستنير بالعلم وأفيد الناس بأستنارتى و ثقافتى، ولكن هل هذا ايضا هو غايتى ؟؟ حين أتأمل أكثر أجد أننى فى الحقيقه أبحث عن نظرة الاحترام والتقدير فى عيون الناس ، ونظرة التقدير هذه ستقودنى الى شئ أكبر وهو شعورى أننى شخص جيد ومقدر أضاف للحياه فأستحق الحياه وربما كانت هذه الغايه الاسمى التى اسعى اليها فى الحقيقة.

لقد أبهرنى جارى العجوز حقاً ولفت نظرى الى دقائق الامور وغوامضها ، ووجدت نفسى أريد أن أشكره بشده فمددت يدى أصافحه بحماس وأحتضنه بودً وكنت واثق أن إشارات الحب والسلام المتصاعده من روحى أقوى من ألا تصله ، لذلك وجدته يربُتُ على كتفى بود وقال ابحث دائما بداخلك عن غايتك الاسمى.

(حفظ الله مصر … أرضاً وشعباً وجيشاً وأزهراً)
———————————————————
كاتب ومؤلف

شاهد أيضاً

د. عائشة الجناحي تكتب: لو كان خيراً

عدد المشاهدات = 5238 ألطاف رب العالمين تجري ونحن لا ندري، فكل شر يقع بنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.