الإثنين , 29 أبريل 2024
الدكتورة فتحية الفرارجي والمهندس صابر الجنزوري

شدو الروح فى رواية “شدو لارين” للدكتورة فتحية الفرارجي

= 7193

بقلم: صابر الجنزوري

قبل الدخول إلى عالم لارين وسماع شدوها والشعور به
والمعايشة مع لارين ومعرفة أسرارها علينا أن نعرف صاحبة ذلك الشدو وصاحبة لارين التى كتبت لنا روايتها
وجعلتنا نعيش معها فى عالم
من الفانتازيا وعالم الروح والمدينة الفاضلة والفلسفة والخيال والتصوف
وعالم الأحلام الوردية الجميل
فصاحبة الرواية وصاحبة هذا العالم لابد أن تملك الموهبة والدراسة وعندها ملكة الإبداع الذي يضعها فى مكانة مميزة فى مجال الأدب والفن
ولما لا ؟
فهي الأستاذ الدكتور بكلية التربية جامعة طنطا وهي أستاذ الأدب والنقد الفرنسي
وقد درست اللغة الفرنسية وأدابها وحصلت على الليسانس من السوربون وحصلت على الماجستير فى رواية التنشئة
للفرنسي ميشيل ديون
وهي صاحبة الرؤية الإجتماعية والأخلاقية فى العمل الروائي عند الروائي الفرنسي
روجيه مارتان دو جار
ونشرت العديد من الأبحاث بفرنسا وبلجيكا ومصر والمغرب والإمارات وشاركت بالعديد من البعثات وتدرجت فى العديد من المناصب بالجامعة ولها إنتاج أدبي وشعري على سبيل المثال
ديوان صهيل الخيول
نبض الورود على الثلوج
جنين فى القلب المجروح
ولها كتاب بين النيل والسين
نيل القاهرة بأحضان باريس القاهرة ..
كان لابد من هذه المقدمة المختصرة لأديبتنا الأستاذة الدكتورة فتحية الفرارجي
حتى نستطيع فهم عالمها الذي قدمته لنا من خلال ذلك الشدو فى رواية مميزة فقد قدمت لنا رواية لابد أن تأخذ مكانتها الكبيرة فى عالم الرواية فمن قرأ فى الأدب الفرنسي رومانسيته وأشعاره يشعر
بذلك العالم الروائي الذي جعلتنا د/فتحية نعيش فيه منذ بداية الرواية وحتى نهايتها..
ولعلنا نستطيع أن نتوقف عند غلاف الرواية بلونه الأزرق الذي أخذ لون البحر والسماء والرومانسية ونلاحظ بدقة
ذلك الوجه الجميل الذي يشير
إلى ” روح ” أو ” لارين “
فكلمة لارين معناها فى اللغة العربية “مفتاح الكعبة”
فشدو لارين وغناء روح لهما نفس المعنى الذى يحمل روحانية الروح والجمال
عند مشاهدة الكعبة للمرة الأولى.
ولعلنا نلاحظ ذلك الدرويش الصوفي الذي رسم فى وعيها وفي منطقة اللاوعي داخل العقل كل هذا الجمال والشجن
فنجده يذكرنا بدراويش المولوية والصوفي الكبير فيلسوف التصوف مولانا جلال الدين الرومي الذى كان له تأثيرا كبيرا فى إنتاج ذلك الشدو.

غلاف الرواية

العنوان يقول : شدو لارين
كتب تحته :
حين تصبح الأحلام
جزءا من الواقع
ليكون ذلك هو مدخلنا إلى الرواية ، الحلم جزء من الواقع والحلم الذي يتحقق
والبحث عن الحلم فى الواقع
والأحلام ليست عبثا ، إنها تأتينا لتبلغنا رسالات وتلهمنا بالإشارات الإلهية والإشارات الصوفية والروحانية ، فإذا كانت هي جزءا من الواقع فإنها أيضا جزء من عالم الروح ذلك العالم الذي نراه فى الرواية فبطلة روايتنا
إسمها ” روح ” وهي مفتاح الكعبة لارين..
وهي د/ فتحية التى تشدو فى مئتين وخمسين صفحة
عدد صفحات الرواية
التى قسمتها فى أربعة فصول
وقسمت كل فصل إلى فصول فرعية أو أبوابا ملحقة بكل فصل و كل باب أخذ عنوانا له دلالته وسرده وحكايته.
وقد وضعت ذلك التقسيم والفهرس فى بداية الرواية ليكون مرشدا للقاريء
كأنها تقول : ربما تقرأ قصصا قصيرة فى كل باب وكل فصل لكن كل هذه القصص هى قصص الرواية وفصولا من حياة ” روح ” وهي فصولا وأبوابا من الحبكة الروائية التى قدمتها لنا فى حالة من الإبداع والشاعرية فقد طغت روح الشاعرة وقدمت لنا إذا شئنا وقلنا مجازا رواية شاعرية رومانسية وعالم من الفانتازيا والتجربة الشاعرية لذلك نجد أشعارا وقصائدا تهتف بها روح كلما دخلت فى حالة من الوجد والتأثر فتشدو بالشعر وكأن الشعر يحضر إليها فتلقيه كما لو كانت تعيش فى لحظة صوفية نورانية
وهذا ما سنعرف أسبابه فى السطور القادمة.
عنواين الفصول الأربعة
و ما يتبعها من عنواين
جاءت كالتالي:
# الفصل الأول :
إنه المايسترو الإلكتروني والحلم الإفتراضي!
هذا العنوان نفسه يحمل فى طيه كل دلالات المدخل والتمهيد لفكرة الرواية التى بنيت عليها الأحداث.
ثم نجد تحت هذا الفصل عنواينا لأبواب هذا الفصل
وكل عنوان له دلالته فى سياق الأحداث وتصاعدها الدرامي
حرف ” ن ”
إنقطاع الحبل السري للذكريات
شروخ وكسور أجندتي
وميض حروف المرآه
إنفجار فصي الصندوق الأسود
# الفصل الثاني:
بصمة القلب
فى مسيرة العشاق
تسوق وسجل دعوات
الحياة عن بعد
ميداليات الفوز
خطوات الوصول
لمحبوبة القلب
أسرار الحمام
الكعبة والنظرة الأولى
شدو التلبية وروحانيات الطواف
روح زفة
السعي بين قطبي مغناطيس
روح واغتسال الذات
عرفات المنى
ق ..ف .. إنها الوقفة
عمرة فى عمرة
مسيرة الزفاف
# الفصل الثالث:
جزوع حورية الماضي
أحد يحبنا ونحبه
فستان المدينة الأبيض
روح .. لارين
زفاف فى العيد
بيت المدينة
ورازازات وشعاع الذات
# الفصل الرابع :
تشكا دار السلام
زوينة بلزاف
قصبة أيت بن جدو
****
مما سبق من كتابة عنواين الفصول وما يتبعها من عنواين من حيث الشكل والتقسيم المتعمد من د/فتحية
نشعر أنها قامت بتقسيم الرواية إلى مجموعة من القصص التى أخذت كل قصة منها عنوانا وكل قصة تسلم أحداثها للقصة التى تليها
فيشعر القاريء أنه فى مقام المشاهدة وكأن المشاهد تم تقطيعها كما لو كانت سيناريو
مرئيا على شاشة عرض وليس فقط فى صفحات كتاب.
****
# عناصر الرواية
فى شدو لارين
عندما نتحدث عن عناصر الرواية المثالية فإننا نتحدث عن فكرة الرواية وهدفها ومضمونها وطريقة السرد
وهذه العناصر تقع تحت مضمون الحبكة الروائية
وقد اعتمدت د/ فتحية فى هذا العنصر على فكرة الحلم الذي كتبت عنه تحت شدو لارين فى عنوان الكتاب :
حينما الأحلام تصبح
جزءا من الواقع.
وأضيف أن الأحلام والرؤى تصبح جزءا من الواقع وتتحقق فى الوقت الذي
لا نتوقع حدوثها وتحقيقها فتحقيق الرؤيا والحلم لأصحاب الشفافية فى صورة جائزة ومكافأة خاصة عندما تكون الرؤيا طيبة ويكون الحلم فى صورة بشرى للرائي وهذا ما تحقق لبطلة الرواية “روح”
وكانت الحبكة فى صورة متوالية قصصية كل قصة لها عنوان يبوح عن سر من أسرار الرواية ثم تكون المفاجأة فى الثلث الأخير تقريبا من الرواية الذي يتحقق فيه الحلم فى صورة رومانسية روحانية شفافة فكانت المكافأة والجائزة التى لم تخطر على قلب وفكر “روح” فتجعلنا
د/ فتحية نعيش مع كل لحظة من لحظات الواقع الذي كان حلما حتى إذا ما وصلنا لنهاية الرواية فجأة نشعر بالحزن لأنها توقفت وأننا لا نستطيع أن نعيش مع روح وحبيبها
“المفاجأة” الذي احتفظت به المؤلفة للثلث الأخير فكان ذلك عاملا كبيرا من نجاح الحبكة الروائية فى شدو لارين.
** و إذا انتقلنا لعنصر آخر من أهم عناصر الرواية وهو عنصر الشخصيات ورسمها وتقديمها للقاريء فعدد شخصيات الرواية قليل جدا
حتى كأننا بعد أن ننتهى من قرائتها لا نشعر إلا بوجود روح وأبيها وأمها وجدتها ولارين التى التقت بها ثم حبيبها الذي إدخرته للثلث الأخير منها، ومما يحسب للمؤلفة أن جعلت الشخصيات كأنها حية تدب فيها الروح وتتحرك فى بساطة وتواضع وتحزن وتفرح
ليتفاعل المتلقي معها فى هدوء حتى أنه يحزن وقت الحزن ويفرح وقت الفرح وكل ذلك من خلال بطلة الرواية
“روح” التى رسمت ملامحها وعمقها النفسي والفكري وكأنها درست الجانب والعمق النفسي لشخصية روح
فكانت الصورة ثلاثية الأبعاد
مكونة من روح وجسد ونفس
فنجد النفس العاقلة المفكرة الحالمة ونجد الجسد المتعب بالحزن ثم يحدث التحول فنجده فى عنفوانه وقوته يتغلب وينتصر على أحزانه ثم نجد الروح الشفافة المحبة للخير والجمال والسلام كأنها تعيش فى المدينة الفاضلة وكأن الكاتبة تقول :
بداخلنا مدينة فاضلة للخير علينا أن نكتشفها ونبحث عنها ونعيش فيها فى سلام ومحبة مع كل من حولنا من البشر والطبيعة.
** إذا انتقلنا للعنصر الثالث
من عناصر روايتنا ومدى ظهوره وكأنه أحد أبطالها رغم كونه عنصرا غير بشري فإننا نتحدث عن المكان والزمان ..
فالمكان فى الرواية يلعب دورا كبيرا
لأن الحلم وتحقيقه ارتبط بالمكان ..لماذا؟
لأن المكان هنا الذي تدور فيه
الأحداث لأكثر من ثلثي الرواية هو (مكة والمدينة المنورة) حيث يصبح الحلم واقعا وتتحقق الرؤيا والبشرى التى رأتها فى الحلم وهذه البشرى كانت لم تكن من بشر عادي ولكنها كانت من
” نبي” والنبي هنا هو رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فكانت مكة والحرم المكي حيث بدأت لارين مناسك الحج ورأت وشاهدت من الأنوار ما رأت ثم كانت رحلة الروح وتحقيق الحلم فى المدينة حيث رأت حبيبها سيدنا النبي فرزقت بحبيبها الذي كان المكافأة الربانية والبشرى النبوية فيتجلى المكان وكأنه بطلا يبوح بأسراره مع الزمان الذي أشارت له المؤلفة وكتبت أن الأحداث كانت فى عام ٢٠١٩ العام الذي سبق عام جائحة الكورونا.
** العنصر الأخير الذي أستطيع أن أتوقف أمامه كثيرا وأبدي إعجابي به هو عنصر
“اللغة” فكما أشرت قبل ذلك أننا أمام لغة شاعرية
فيها كل مفردات البلاغة من تشبيه واستعارات ووصف وجمال وسرد يتدفق كنهر عذب الكلمات وربما أشبه تجربة الدكتورة فتحية فى كتابة هذه الرواية أشبهها بالتجربة الشعرية والوجدانية بل التجربة الروحانية التى يعيشها الشاعر ليكتب قصيدته بعيدا عن الإحترافية والصنعة.
وبالفعل كان هناك الشعر ينطلق فى كل لحظة وجد وكل لحظة تأثر روحانية وقلبية فنجد القصيدة تنطلق دون توقع وكأنها ترتجل فنشعر أن
“روح” قد شدت ببوح ومكنون قلبها وصدرها وليس كاتبة الرواية هى من كتبت وألفت القصائد وشدت بكل قصيدة .
****
لعلنا الأن نتشوق وننتظر تفكيكا وشرحا لمضمون الرواية
لنعرف ماذا تقول ونكتشف أسرارها وكيف تبوح الرواية بأسرارها مثل الأرض الطيبة التى تبوح بكنوزها ..
بداية من الإهداء يبدأ الشدو
إذ تقول فى إهداءها :
إلى ابتسامتك التى تشرق فى وجهي كل صباح وتستمد منها كلماتي طاقة النور والأمل
إليك يا أبي يا سيد الكلمات
حيث أنت الأن .
ثم يبدأ الشدو بتمهيد هو الأهم فى الرواية لأن كل ما بعد يعتمد على كل ما قبل ويعود إليه فتقدم لنا الكاتبة مشهدا بسيطا حيث يدخل الأب
“عجيب” وهذا اسمه حجرة ابنته ويقرأ من أخر صفحة فى مذكرات ابنته الشخصية :
للعشق وللحب معجزات وفى انتظار تلبية النداء واللقاء
حكايات لكنها حكايات كلها همس.
ينزعج الأب ويهتف فى دهشة
يانهار أصفر ، يا نهار أزرق
البنت خلاص فجرت ..الخ
فينادى زوجته “ليالي”:
أنت يا ست هانم تعالي بسرعة
ليالي : يا ستار يارب
عجيب : إقرأي واعرفي بنتك بتعمل وتفكر فين ؟
تهديء من روعه وتطمئنه قائلة : روح ؟ قمر البيت ؟
الذكاء والنباهة ، إهدأ لنفهم لمن كتبت كلام العشق والحب؟
لكن أنا عارفها عاقلة ومحافظة على نفسها و مذكراتها الشخصية هي حرة تكتب فيها وتكلم الورق ، حرام نكبت البنت يا عجيب ونفتش فى أوراقها ..
عجيب : يا هانم تابعي ابنتك
ودوري على الحكايات وافهمي.
ليالي : نام وارتاح وان شاء الله أعرف كل حاجة..
مشهد بسيط اعتمد على الحوار باللغة العامية البسيطة لكن قدم لنا الأب والأم فى صورة بسيطة وقدم لنا شخصية البطلة “روح” وبعض من صفاتها بالذكاء والطيبة والجمال الداخلى قبل الخارجي وقدمها لنا ككاتبة تكتب مذكراتها وتكلم الورق لكنها قدمت جملة مهمة جدا فى الرواية والتى سيعتمد عليها كل شيء بعد ذلك هذه الجملة:
للعشق والحب معجزات وفى انتظار تلبية النداء واللقاء.
لم تنم الأم ليالي فقد فتحت الدرج الثاني من مكتب ابنتها وقرأت كل ما يسبق الصفحة الأخيرة :
وقبل يديها لكنها ما كانت إلا قبلة فى القلب ، قبلة قبلتها الحب البعيد.
واستمرت فى القراءة عن الحب العذري وأنواعه ومشاعر الحبيب حتى وصلت
للجملة المهمة التى تشوقنا إليها الكاتبة دون أن تنبهنا إلى أهمية تلك الجملة فهناك كما كتبت هناك جملا تعتبر مفاتيحا
للرواية وتعتمد عليها الأحداث فيما بعد ، كانت تلك الجملة :
ويتردد بأذنيها صوت آت من بعيد : من هو الذي يأتيني من بعيد ، وما هذه الرمال ؟
وأين أنا ؟
وهذا ما سوف يظهر عندما تبوح الرواية وسطورها بأسرارها.
ويبدأ الفصل الأول بعنوان “ن” ونعرف سر هذا الحرف
من خلال الوصف وظهور الشخصية الأولى فى حياة “روح” وهو ” كميل” والذى كانت روح هي أيضا “كميلة”
ففى وصف بلاغي وتشبيهات بلاغية نقرأ:
ن…ن…ن…تسحب الصمت من الكلام والسكون.
إما أنت العين وأنا النون
أو أنا العين وأنت النون
أو كلانا كليهما
يا عين النون ونون العين.
إحملى يا عين تلك الكلمات
بين الجفون والمقلات
وتدبير الله آت ؟!
وتستمر ” ليالي ” تقرأ بدموع عينيها مذكرات روح حتى تفاجئنا بدعوتها على من كسر
خاطر روح “كميل”
فتقول : منك لله.
كسرت قلبها ، تحملت الكثير ياروح.
هنا نبدأ نعرف انكسارات قلب روح وخداع كميل الذى خدعها باسم الحب لكنه كان صيادا للنساء ، أنقذ الله روح من براثنه وكشفه لها لكن يظل بالقلب انكسارا بعد إنكسار
كما نرى فى مذكرات روح التى تقرأها أمها ” ليالي”
فقد كان إنكسارها الأول قويا
عندما وقعت فى الحب العذري
وتمت خطبتها من “مهاب” لكن القدر باغتها ورحل إلى العالم الآخر …
وهذا ما ظهر فى الفصول التالية التى تمنيت أن أكتب كل سطورها وبلاغتها وفلسفتها عن الموت والحياة ولنأخذ بعض الجمل من فصل انقطاع الحبل السري للذكريات :
أيتها العظام من انت ؟ أيتها الرفات ، ايتها العظام أجيبي.
من أي جنس كنت ؟
من أي دولة أنت ؟
وأي مكان سكنت ولماذا جئت؟
وبأي ديانة آمنت؟
ولأي مذهب اتبعت؟
ولأي عظمة انتميت؟
انطقي أيتها العظام ..
وبحق ربك أجيبي.
****
قد نستطيع التوقف أمام مشهد مهم من مشاهد الأحداث والإنكسارات فى حياة روح
ذلك المشهد عندما اكتشفت روح حقيقة كميل وقررت فسخ خطوبتها وألقت بدبلة خطوبتها
أو محبسها كما صورت أسرها بذلك المحبس وقالت فى نفسها :
لو علمت أمي لأصابها المرض
سأفسخ خطوبتي
السبب : إنه لا يصلي؟!
ولا يحب الصلاة ؟!
طبعا ليالي حبيبتي ستوافق طالما لا يحب الصلاة.
إذا شئنا وتحدثنا عن التدين الفطري لا التدين المتعصب لسوف يكون فى ذلك المشهد الذي تعمدت كتابته والحديث عنه.
*&*
وننتقل من هذا المشهد الذي جاء بالفصل الذي عنوانه
إنفجار فصي الصندوق الأسود
وفى الصفحة رقم ٤٣
نتوقف أمام المشهد الأول الذي سيغير من أحداث الرواية وذلك المشهد هو الذي سيقلب الأحداث ويغيرها وينقلها إلى طريق آخر تمشي فيه كثيرا
ليمهد للمشهد الأخير الذي تؤدي كل الأحداث والأحلام والرؤي إليه فكان ذلك المشهد هو
ماستر سين بلغة السينما والسيناريو وهو عقدة النص وهو الذي يمهد للأحداث الأخيرة والإنفراجات الأخيرة.
لنرى ونشاهد ونقرأ المشهد:
انهارت ليالي فى البكاء مرة أخرى واحتضنت الأوراق
وكأنها تحتضن روح ….
وفجأة سمعت ليالي صراخا شديدا ” زملوني ، زملوني”..
صاحت روح بأعلى صوتها
هرع كل من فى البيت نحو
حجرتها.
الجدة : روح حبيبتي مالك؟
خطيبك سابك ؟
ربنا يجعل لك نصيب مع أحسن منه ..
روح : أحبه أكثر من نفسي والله.
الجدة : حاولي تنسي
روح : والله أحبه أكثر من نفسي ، رأيته فى المنام ،
نور ، بدر البدور ، زملوني
زملوني ومن زمزم إرووني؟!
الجدة : خطيبك الأسود الأقرع
بقى بدر البدور ؟! البنت فى غيبوبة والا اتهبلت ؟
روح : لا يا حجوجة،خطيبي مين ؟
أنا حلمت بسيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ، الحمساء، مكة بكة، أم القرى ، القرية ، البلد ، الحرم الأمين ، طوبى للغرباء!
الجدة : اللهم صل على كامل النور ، طبعا كده بدر البدور.
ينتهي المشهد الذي يفسر ويشرح نفسه ، إنه مشهد الرؤيا
لرسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والذي ستترتب عليه وتعتمد كل أحداث الرواية وفصولها القادمة.
*&*
بصمة القلب
تمضي عشر سنوات وكل يوم من أيامها تتعلق روح بالكعبة
ويتعلق قلبها وتتعلق روحها بمكة والمدينة وتعيش الحلم والرؤيا حتى يأت اليوم وتستيقظ على صوت موسيقى ورسالة على هاتفها فتصيح ويهرعون إليها ، يسود الصمت حتى تقطعه قائلة : يالا يا تيتة غني معايا : يا رايحين للنبي الغالي ، غنتها ليلى مراد!
إنها هدية عيد ميلادي ، وصلت الهدية ، يالا زغرتوا ..
فقد جاء اسم روح ضمن كشوف حج القرعة وفازت بالحج وبدأت تحضر الأوراق والكشف الطبي ومنها بصمة العين لكن روح تقول :
والله راح يشوفوا بعيوني بصمة القلب.
وتمضى الأحداث بدء من الصفحة رقم 55 بالفصل الثاني والتى تحمل عنوان :
فى مسيرة العشاق
وتبدأ الكاتبة فى سرد تفاصيل التفاصيل وكل شيء عن رحلة الحج منذ أن تجهز روح اوراقها وتشتري احتياجاتها من ملابس وأدوية وكل شيء ينصحونها به لتأخذه معها ،
وتصف مشاعرها وهى فى الطائرة وعند الوصول لمطار جدة والذهاب منها إلى مكة
ثم لحظة رؤيتها للكعبة والطواف حولها والأدعية التى ترددها ثم سعيها بين الصفا والمروة واستحضارها قصة هاجر أم إسماعيل عندما تركها نبي الله إبراهيم وسعيها وهرولتها بين جبلي الصفا والمروة للبحث عن الماء ، فتعثر على عين زمزم ،
ثم الذهاب والوقوف بجبل عرفة والصلاة بمسجد نمرة ..
كل هذه التفاصيل التى عاشتها روح لحظة بلحظة وكأن الكاتبة هي من عاشت تلك اللحظات فوصفتها بكل هذه الدقة والروعة والجمال.
وقبل أن ننتقل إلى منطقة أخرى مهمة من الرواية والتى تمثل نقطة التحول الكبرى
نتوقف عند شدو روح وغنائها ويردد ورائها حجاج القاهرة على جبل الرحمة كما جاء
فى الصفحة رقم 149:
على جبل الرحمة
الحج أحلى فرحة
غني يا مهجة ويا رجاء
هنا جبل الدعاء
هنا موقف المرسلين
والأنبياء
*&*
روح تلتقي مع لارين ؟
هناك لارين أخرى
وهي التى أفصحت عنها روح وأفصحت عنها كاتبتنا المبدعة فى الرواية عندما قابلت روح خمس فتيات جميلات
لمار ، سدين ، راما ، ريتاج
و لارين .
وكن يقرأن القرءان بصوت ملائكي ..
والكل يسري حول لا رين التى تحمل مفاتيح كل شخصية منهن
واتفقن جميعا على أداء عمرة
من مسجد التنعيم.
وعندما ذهبن إلى جبل النور
تشدو لارين :
من منا صعد جبل النور
ومن طاف بالبيت المعمور
ومن منا صلى على الرسول
ومثلما بدأت روح بطواف القدوم تودع مكة بطواف الوداع.
*&*
إختفاء روح وبداية النهاية؟؟
تنجه روح ولارين فى صحبة
صديقتهن إلى المدينة وعند الإقتراب منها
تقول لارين :
أخيرا سنرى المدينة ..
تستحضر روح مشهد الهجرة وكم عانى الرسول كل هذا الطريق الوعر بين الصحراء والجبال فى أجواء قاسية
وتشرح للمار ما حدث فى الهجرة وأحداثها كاملة حتى وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
ووصل الحجاج إلى الفندق بالمدينة لكن روح لم تصل.. واختفت روح ؟!
فقد ذهبت إلى المسجد النبوي
لترى القبة الخضراء والروضة الشريفة وكانت تردد :
ما بين منزلي وروضتي روضة من رياض الجنة ، أسعد يا رب قلبي بزيارة شفيعي محمد صلى الله عليه وسلم.
وبعد أن تزور الروضة وتلقى النظرة على البقيع تتمنى أن ترى جبل أحد وتتذكر قول النبي ( أحد بحبنا ونحبه).
وأخذت تمشي فى المدينة وتجوب شوارعها وتبحث أول شيء عن أحد.
شيء ما يشدها بقوة إلى أين
لا تدري ؟
المسافة خمسة كيلو مترات إلى أحد وأخذت تمشي وتتذكر ما حدث لشهداء أحد وتسترجع مشهد استشهاد حمزة عم النبي
وكل أحداث أحد ، وانجذبت روح فى جمال المكان وصارت تسير وتسير حتى وجدت نفسها فى صحراء من جميع الجهات.
*&*
المشهد الأخير وتحقيق الأحلام
فى هذا المشهد الأخير والفصل الأخير من الرواية تأخذنا الكاتبة فى لحظة إبداعية وتفك ألغاز وشفرات الحلم وتعمل انفراجه فنية للرواية وللحبكة الروائية ..كيف ؟
لقد أخذت المتلقى فى طريق لم يكن أحد يتوقعه وضربت كل العصافير بحجر واحد ، فسرت الحلم وأنهت رحلة الحج وكان اختفاء روح فى الصحراء التى تؤدي لجبل أحد بداية مشوقة ومثيرة لتحول الرواية تحويلا تاما فى أحداثها وحبكتها الفنية حيث أن هذا التحول ارتبط ارتباطا كاملا بما كتبته فى التمهيد والمقدمة وقد نوهت عنه عندما كتبت ذلك التمهيد كاملا وقلت أننا سوف نعود إليه وكأننا ندور فى دائرة ونعود إلى نقطة البداية من المركز مرة أخرى.
كيف قدمت الكاتبة ذلك التحول فى لحظة فاصلة ومشهد إبداعي رائع ؟
فى ظل التيه الذى حدث لروح فى الصحراء وعرفت أنها قد فقدت الطريق وأنها فى تيه
وهذا التيه هو تلك الإشارة التى تشرح وتلخص حياتها السابقة فلم تملك غير الصلاة فتتيمم وتصلى وتدعوا ربها وتسأله أن ينقذها :
وإذا بها تشعر بصوت من بعيد وهي تصلي وقبل أن تسلم أنزل الله فى قلبها الطمأنينة فكانت البشرى ..
وإذا بها تجد قطيعا من بعيد ولم تر بشرا ، فانتظرت ، وإذا بصوت من خلفها :
هل أنت فى إنتظار أحد ؟
هذا هو المشهد الكبير فى الرواية وبلغة السينما أعتبره الماستر سين الثاني فى الرواية والذى تحولت بعده الأحداث تحولا كبيرا فمن كان ذلك الرجل ؟
إنه جائزة وهدية السماء إلى روح ، إنه المنقذ وهو بطل الحلم وهو فارس الحلم الذى أصبح واقعا.
تصف الكاتبة رد فعل روح فتقول:
ارتعد جسدها من تلك العيون الزرقاء والوجه شديد البياض، والجلباب الذي لا يقل بياضه عن وجهه ، أبشر هو أم ملاك؟
كرر عليها السؤال :
أنت فى إنتظار أحد ؟
قالت : نعم ، فى إنتظار
فرج الله.
روح : من أنت ؟
شكلك غير عربي ولهجتك ؟
هو : أنا جارودي، روجيه
أقصد رجاء ؟!
روح : أنت روجيه أم رجاء؟
روجيه : كنت روجيه
وأصبحت رجاء.
روح : غيرت اسمك يعني؟
روجيه : غيرت حياتي مع تغيير اسمي…
دخل الإسلام قلبي وعدت كما ولدتني أمي ..
ويمضى الحوار بينهما ويقص عليها سبب إسلامه ونقطة التحول للإسلام فيقول:
عندما كان فى الأسر فى معتقل بالجزائر وأمر قائد المعسكر النازي بقتله ومعه 500 من الأسرى وأعطى الأمر لحاملي الرشاشات الجزائريين فرفضوا تنفيذ الأمر ولم يعرف لماذا ؟ وعرف بعد ذلك من مساعد جزائري بالجيش الفرنسي حيث قال :
أن شرف المحارب المسلم يمنعه أن يطلق النار على أعزل.
هنا بدأ روجيه يتعرف على الإسلام ويبحث عنه ..
فقال : كنت كالزجاجة التى ألقيت فى مياه صامته فأحدث دويا فى الأوساط الفكرية والثقافية والصحافة العالمية!
ويمضى الحوار بينهما وما بين
اول حرفين من اسميهما
رو ” فى روح ”
رو ” فى روجيه ”
تلتقى الحاء والجيم فى لحظة صوفية وتعرفه روح ويخبرها أنه كاتب وله مشاريع بألمانيا ويحضر لكتاب
الإسلام والمستقبل
فتجده يسألها عن اسم أبيها وأمها ؟
تقول : عجيب وليالي فتسأله لماذا ؟
روجيه : غدا سوف تعرفين !
ويشرق الصباح الجميل فى حياة روح بعد أن طمأنها روجيه وبعد أن شحنت هاتفها
طلب منها الإتصال بأبيها وأمها
اتصلت روح بليالي أمها ، طمأنتها ، طلب روجيه أن يتحدث معها ، هاتفها قائلا:
ا ل س ل ام ع ل ي ك م
أمي ، قابلت ابنتك فى الصحراء، تاهت ، وهي بخير ،أستأذنك أن أطلب الزواج منها…الخ
وتكتمل الفرحة ويأت روجيه بأهل روح ويتزوجها بالمدينة وتزف فى فستان المدينة الأبيض وتتمنى روح أن تبقى فى المدينة لمدة عام أخرى ، يحقق لها رجاء كل الأمنيات فقد شغفه حبها ، وارتدت روح الفستان الأبيض والفرحة والدموع تنهمر من عين أمها،
أخيرا عروس فى الأربعين؟!
ليرد “رجاء ” فى كلمة واحدة تفسر معنى لارين وسر الشدو والحب ويفك شفرة الحلم
قال : حور!
واسترسل :
لست روح بل أنت الحور
بل أنت “لارين” ..
أنت مفتاح الحياة، أنت مفتاح الأمل والخير،
أنت مفتاح الكعبة.
وأطلقت ليالي زغرودة
وصلت فرحتها للجيران بالإسكندرية ،
فهتفت روح :
أحبك
أحبك.
ومن تلك اللحظة
روح أصبحت لارين.
وتمضي قصة الحب حافلة بالمشاعر بين مكة والمدينة ولكنها تتوقف فى رحلة أخذ فيها رجاء أو روجيه جارودي
روح أو لا رين إلى المغرب وتختم كاتبتنا المبدعة الرواية
قائلة :
وأعدا حقائب السفر لألمانيا،
وكانت ليلة حافلة، يعلو فيها غناء فيروز والفلكلور المغربي،
ترى فيها القلوب
مالا تراه العيون
**&&**
انتهت الرواية وحدثتنا الدكتورة فتحية عن المغزى والشفافية
وأن القلوب ترى مالا تراه العيون فتذكرت بيتين من الشعر كتبتهما فى ديواني
“خفقة روح” وسبحان الله لم انتبه لكلمة روح فى عنوان ديواني وتماهيها مع بطلة الرواية “روح” إلا وأنا أكتب الأن تلك الكلمات :
قلوب العاشقين
بالسر تبوح
وقلوب العارفين
بالعطر تفوح.
وقبل الختام لهذه القراءة يبقى الإشارة التى يجب أن ننتبه إليها
والتى سوف تكون خاصة ببطل الرواية ” روجيه جارودي “
لأن سحر الرواية وطريقة سردها يجعل المتلقي يصدق كل الأحداث خاصة بعد ظهور جارودي ويتساءل : هل هذه الأحداث حقيقية فى قصة حياة جارودي المفكر والفيلسوف الفرنسي الذي بحث عن الإسلام وبحث فيه فآمن به ؟
بحثت عن إجابة السؤال فوجدت فى موسوعة جوجل التى تتحدث عن حياة جارودي
وجدت أن قصة إسلامه تطابقت مع ما جاء بالرواية ، ووجدت أن السيدة التى تزوجها بالفعل من المغرب ؟!
فتساءلت
هل ثمة علاقة ورسالة بين نهاية الرواية فى المغرب وبين
القصة الحقيقية لزواج روجيه جارودي ؟!
وهل جمعت الكاتبة بين الخيال والحقيقة فى قصة حياة ذلك المفكر والفيلسوف أم أوحى لها الإلهام فاتخذت بعضا من مشاهد حياته وبنت عليها الرواية؟
أسئلة كثيرة سوف تدور بعقل المتلقي والقارئ ومن أجل ذلك
تركت كاتبتنا المبدعة الرواية مفتوحة لخيال وعقل وفكر المتلقي لكنها تريده أن يتذكر
أن القلوب ترى مالا تراه العيون.
لا يسعنى فى نهاية هذه القراءة او الدراسة المختصرة للرواية الرائعة التى أرى أنها “غير” كل ما قرأت من روايات سواء فى طريقة السرد واللغة والحبكة ولكن أيضا فى رسالتها التى أرادت الدكتورة فتحية أن توصلها عن الإسلام ورسالته العظيمة من الرحمة والمحبة والخير والسلام وليس العنف والإرهاب دون الإغراق فى التقريرية والخطب الإنشائية
إنها تقول هذه رسالة الأدب وأمانة الكلمة ورسالة الأديب
البحث عن كل معاني الجمال والقيم والمثل حتى لو كانت فى عالم لا يؤمن بها .
تحية تقدير لكاتبتنا الأستاذة الدكتورة الروائية والشاعرة فتحية الفرارجي وكل التمنيات
الطيبة لها بدوام التوفيق والتألق والإبداع والنجاح.
صابر الجنزوري
صباح ١١ من سبتمبر ٢٠٢٣
الساعة ٦:٢٥ صباحا.

شاهد أيضاً

متحف محمود خليل…يجمع بين المدارس الفنية التشكيلية

عدد المشاهدات = 1179 بقلم: هبه محمد الأفندي ولد محمد محمود خليل في سنه 1877م …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.