الإثنين , 6 مايو 2024

د. هدى أحمد تكتب: فن صناعة الفوضى..!

= 2563

Dr Hoda Ahmed


دعونا نعترف ولا ندفن رؤوسنا في الرمال مثل النعام .. نحن من صنعنا الفوضي ونشرنا الفساد وضربنا الأخلاق في مقتل .. والآن نلطم الخدود على ما آل إليه وضع المجتمع المصري من تردي في الأخلاقيات والسلوكيات ..

في قطاع مهم مثل التربية والتعليم .. انهارت المدارس والجامعات وتخرج جيل جديد بلا هوية لا يستطيع تحمل المسؤولية ويفتقد الاحساس بقيمة الوطن .. انهارت بداخله القيم والمبادئ .. وصار لا يوقر الكبير .. ويتبجح بداعي الحرية والديمقراطية ..

وفقدت مهنة التدريس احترامها وهيبتها .. بداية من مسرحية "مدرسة المشاغبين" نهاية بفيلم "رمضان ابو العلمين حمودة" .. وأصبح المعلم لا يعنيه إلا جمع المال من الدروس الخصوصية ونسى دوره التربوي وبات شريكا عن قصد أو دون قصد في صناعة توليفة من الشباب يمثل صعودهم للمناصب في المستقبل خطرا على مصر لافتقادهم مقومات الشخص المناسب في المكان المناسب ..

في مجال مؤثر مثل الإعلام .. صنعنا ٩٠ مليون محلل سياسي واقتصادي كل يفتي فيما لا يخصه والكارثة أنه يكون في برنامج تليفزيوني يشاهده الملايين .. كما خصصنا مساحات عبر الشاشات للخونة الذين ارتدوا عباءة أطلقوا عليها "ناشط سياسي" ولو قاطعنا هذه البرامج واتجهنا للإعلام المحترم ما تصدر هؤلاء المشهد ..

وعن التجاوزات في سلوكيات المصريين حدث ولا حرج .. منها على سبيل المثال لا الحصر ..

 أطباء بلا ضمير يعطون شهادات طبية لأشخاص ضعاف البصر ومصابون بأمراض السكر والقلب والضغط ثم نتساءل عن أسباب زيادة المعدل الرهيب في الحوادث على كافة الطرق ؟ ..

وبعضنا كان "يكرمش" مائة أو خمسين جنيه ويعطيها لأمين الشرطة لينهي أوراق أو يلغي مخالفة مرور .. وشجعناهم  أن "يبرطعوا" ويتحولون إلى دولة داخل الدولة .. ثم استشرى نفوذ عدد كبير منهم وصاروا يستغلون نفوذهم في تهديد البسطاء .. وما حدث أخيرا في درب الأحمر يعكس تجاوز بعض الأمناء وما يعانونه من مرض نفسي يحتاج إلى علاج حاسم حتى لا تتفاقم الأزمة التي تسييء لجهود رجال الشرطة الذين يضحي أغلبهم بحياتهم من أجل  التصدي للإرهاب والحفاظ على استقرار الوطن .. كما ألغينا المحاكمات العسكرية .. ووافقنا أن تكون الشرطة هيئة مدنية فصارت القضايا يتم تداولها في المحاكم سنوات ما شجع بعض المتجاوزين على الاستمرار في الأخطاء بحق الضعفاء .. بينما القضاء العسكري يتسم بالسرعة مع الحفاظ على نزاهة التحقيقات في الوقت ذاته  ..  

وتضخم عدد من مشاكلنا وأصبحت مستعصية على الحل .. فقد سمحنا بانتشار المقاهي أسفل منازلنا ثم نشكو من السطو على الأرصفة والتلوث البيئي .. دمرنا كل شيء جميل في شوارعنا والميادين والحدائق العامة ونتتقد غياب الشكل الجمالي .. وافقنا على هدم القصور والفيلات الأثرية لبناء عمارات شاهقة أفسدت الذوق العام بعد التعدي على الطراز المعماري التراثي الذي لا مثيل له بالعالم..

ارتضينا بمهزلة تلال القمامة في الشوارع في صمت دون حراك أو ثورة غضب ثم نتحسر على انعدام النظافة عندما نشاهد " الأرض بتبرق" في شوارع دول عربية شقيقة ..
ولم نعد نستغرب عندما نجد شخصا يرتدي بدلة شيك أو هانم ترتدي فستان سواريه يفتح نافذة سيارته الفارهة ويلقي بأكياس الطعام وعلب العصائر والمشروبات الغازية في الشارع ..

قبل أن نحاسب أي مسؤول بالحكومة يجب أن نحاسب أنفسنا .. الإصلاح وتجفيف منابع الفساد لن يأتي بين يوم وليلة .. أبدأ بنفسك واصلح من أحوالك .. أنثر بذور الخير وأحرق فروع الشر .. ساهم في بناء مجتمع جديد يقوم على العدل والاحترام والسلوكيات القويمة ..   

————–
 
* كاتبة المقال أستاذ الإدارة المالية المساعد.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 13549 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

2 تعليقات

  1. تحليل دقيق جدا للمرض الذي نعاني منه 
    هو وصف دقيق

    تسمحي لي ان اقترح حل
    الحل هو
    الوعي
    الوعي
    ثم الوعي
    ولا اقصد التعليم
    تحياتي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.