السبت , 27 أبريل 2024

خالد البرماوي يكتب: أونكل عمرو…!

= 1614

Khaled Baramawy‎‏


كان في طريقه للخروج من صالة الجيم، ولكن حركة نشطة في أقصي يمين الصالة، جعلته يلتفت منتبهًا ليعرف مصدر الصوت، فإذا به، أمام نهاية أو بداية فتاة تجري بخفة وسرعة على جهاز " تريد ميل"، لم يكن يتضح منها الكثير، لكنه كان كافيًا لأن يتسمر مكانه.

كانت تملك جسدا افروديتا، يكاد يقسم أن صاحبته لا تبخل عليه بالجهد والمال ولا بالتدليل، ترتدى تي شيرت رياضي بحمالات يشبه ما يرتديه لاعبي كمال الأجسام، مع شورت رياضي قصير، أو بدأ له قصير بسبب طول واستقامة ساقيها، بما يخالف/ أو يتكامل مع تضاريس ما يظهر من ظلال أدوارها العليا، و..

عند هذه النقطة توقف عن التفكير، فنظراته المتلاحقة إليها أحرجته هو نفسه، حتى لو لم يكن يراه أحد في الصالة، فماذا لو التفت هي إليه فجأةً، ورأيته يحملق كالأبله في تفاصيلها، ويسبقه كرشة المتصبب عرقا، وكأنه يصطحب معه قزما خرج لتوه من معركة مع عمالقة.

وأخيرا، قرر أن بحسم أمره ويتوقف عن التحديق… واقفًا، وصعد على جهاز "أوربتراك" القريب منه، ليحدق على مهل بنظرات مختلسة خاطفة، وبين النظرة والنظرة، تسبح في عقله أسئلة، هل…. ؟ أم أنه أكبر… ؟ ويراهن نفسه على ذلك.
فيعيد النظر ليعرف الإجابة، فقط من باب العلم بالشيء، والتأكد، وأخذ يطيل في النظر، ولكن ضميره لم يتركه، فأخذ يلومه تارة، ويقنعه هو تارة أخرى بأنه يشاهد فقط، كفيلم معروض على MBC2.
بقى على هذا الحال بضعة دقائق، أو ربما نصف ساعة، لا يعرف تحديدا كم بقى، ولم يهتم أن يعرف.

وفجأة توقف جهازها، ونزلت منه، وتوجهت بخفة شديدة لعمود في وسط القاعة، والتقطت من أسفله زجاجة مياه بجانب حقيبتها الرياضية الملونة.
ارتبك بمجرد سماعة صوت توقف الجهاز، وهرب بعينه للا مكان حيث سقف صالة جيم، وجاهد طويلا فضوله في أن يسرق نظرة جديدة، ليرى ما بقى طويلا ليراه.
وانتصر أخيرا لفضوله، والتفت ناحيتها….

كانت في هذه اللحظة تنزل زجاجة المياه من فمها، ولمحته بجانب عينها.
ثم أدارت وجهها ناحيته بشكل كامل، ونظرت إليه، وكأنها تتحقق من شيء ما. وطالت النظرة، ثم طاااااالت النظرة.
ولم تتوقف.

ثم تحولت النظرة لابتسامة كبيرة، متبوعة بخطوات هادئة في اتجاه.
يبدو أنها في اتجاهه، نعم، هي ونظرتها يسيران معا نحوه.
ارتبك.. لا يعرف لماذا، لكنه شعر بالخجل، وأشاح بنظره هربا.
واهتز الجهاز الذي يقبع فوقه.

فكر في أن ينظر لهاتفه المحمول، لكن القزم الذي يحمل على قلبه أحال دون أن يصل لهاتفه من على مسند الجهاز.
جرب أن ينظر في السقف مرة أخرة، لكن قطع هذه الفكرة وقع أقدامها الذي أصبح أعلى وأقرب، مع صوت ازيز لزج من اصطدام خطوات "الكوتشي" الذي ترتديه بأرضية الصالة المطاطية..
وفي الخلفية سمع لأول مرة صوت المزيكا الخارجة من سماعات الصالة، والتي يبدو أنه تفاعلت وأخذ في التصاعد.

في البداية تمنع، وأبَى أن يتلفت إليها، واكتفى بسرقة نظرة جانبية سريعة، يالله، كم هي رائعة، طويلة، بلون برونزي خلاب، فتاة صغيرة طازجة، تبدو في المرحلة الجامعية.. و..
وفي الحقيقة تبدو في سن بنات أخته، أو ربما في سن بناته، لو كان تزوج مثل كل أصدقائه.
استبعد هذه الفكرة تماما، كأنها لم تقفز في خاطره.

وقرر أن ينظر إليها بكل جوارحه، مهما كانت العواقب، فعقد العزم، ورسم ابتسامة كرتونية، حاول فيها أن يجمع كل سحره وجاذبيته، وقام بشفط بطنه لدرجة أن وجناته أحمرته وأخذت في الانتفاخ، وكأن كرشه أنتقل لوجهه.

بصوت طفولي:"أزيك يا اونكل عمرو".
نعم، هل تعرف اسمه؟!
لا، بل قالت أونكل !!

معقول، معقول.. لم تمهله كثيرا، واردفت بصوت يزداد طفولية، "أنت مش عارفني ولا اية يا اونكل"، أنا……!

انهار، وأخذ كرشه في الانهيار والانتفاخ، وهي تذكره بنفسها، وتذكره، وتذكره.

———-

* خالد البرماوي صحفي ومدرب إعلامي.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 5401 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.