الخميس , 2 مايو 2024

تامر علبة يكتب: النهاية…!

= 1662

راقدا بلا حركة ناظرا بعين مفتوحة لا ترمش الي سقف الغرفة مريضا مسنا تجعد جلدي كحبة خوخ جافة ، لا ادري كيف و متي وصلت لهذا الحال فخارجي يقول انني مسن قاربت علي الثمانين و لكن داخلي مازال يدرك انه طفل لم يتعدى السابعة من العمر ، هل مر العمر بهذه السرعة بدون ان ادري ام انا من تلاعبت بالزمن ليمضي بتلك السرعة ، نعم انا من كان يطوي السنوات طيا ، تمنيت ان اكبر و انهي دراستي لأتخرج و انتهي من المذاكرة ، طويت السنوات لأكون نفسي و اتزوج ، اخذت اسحب الخيط من بكرة حياتي بسرعة لأصبح شهيرا و غنيا ، لم اكن انظر خلفي بل كنت دائما انظر امامي متناسيا انني اقترب من خط النهاية ، و ها انا الان ارقد الفظ انفاسي الأخيرة من عمر لم اعشه و لم اشعر به ، وحيدا فلقد هجرني اهلي كما هجرتهم في الماضي سعيا وراء احلامي ، كنت انطلق كمذنب غير عابئ بما يتساقط خلفي من اهل و أصدقاء و زوجة و أولاد و حتي نفسي و الان انتهت رحلتي لأموت وحيدا رغم ملاييني في البنوك و رغم شهرتي.

نعم انها النهاية وقد أدركت فيها الحقيقة بعد فوات الأوان، بعد انتهاء الامتحان وقد وقف الي جانبي المراقب ليسحب ورقة الإجابة التي لم اكتب فيها شيء، يمر عمري امامي كفيلم اراه لأول مرة فيلم يعيش فيه البطل بحماقة اصرخ فيه كي يتجنب السقوط ولكن كيف تمنع احداث فيلم قد صور مسبقا، أدرك الان ان كل مخاوفي لم تحدث وان غدا الذي كنت اعمل له حسابا لن يأتي غدا ابدا.

أدركت الان تفاهة كل ما كان غاليا وقيمة ما كان بلا قيمة، أدركت وجود الله وخوفي منه وعدم استعدادي للوقوف امامه، أدركت قيمة صحتي التي افنيتها على نزوات لم تدوم، أدركت تفاهة اموالي التي جمعتها والتي يتمتع بها اولادي الان ويتركوني وحيدا، أدركت تفاهة عمري الذي مضي وقد دست فيه على أناس كثيرين ولك احقق فيه الا نفسي التي سأفارقها الان، أدركت تفاهة خبراتي وعلمي الذي بخلت به على الناس حتى أقرب الناس لي حتى لا ينافسني أحد او لا يصبح مثلي أحد.

أدركت انها النهاية ولا شيء غير النهاية وقت الندم حيث لا ينفع الندم، حاولت ان ادعوا الله الذي نسيت وجوده كي يعطيني فرصة اخري لأعود واعمل صالحا ولكن بلا جدوى، فلقد ضاع عمري وانا ابني أفخم قصر على الأرض لأعيش فيه، لابني أكبر شركة على وجه الأرض، لأصبح الأقوى والأشهر على وجه البسيطة ولكنني لم أكن أدرك ان مصيري هو تحت الأرض، حتى قبري لم أفكر يوم ان اشتريه ولا اعرف حتى اين سوف ادفن.

أدرك انه لم يمشي في جنازتي أي شخص او حتى لن تقام لي جنازة ولولا رائحة عفني لتركوني في مكاني للأبد، سوف يكفنوني في خرقة بالية وبدون حتى غسل سيلقونني في أحد مقابر الصدقة، أدرك هذا جيدا فلقد دفنت ابي وامي في إحدى تلك المقابر واعلم الان انه كما تدين تدان.
رايته واقفا امامي عابسا غاضبا يتطاير الشرر من عينه وحوله اتباعه وقد مسكوا في أيديهم خرقة بالية عفنة الرائحة ويتجهون نحوي، اغمضت عيني واستسلمت لهم.

إذن فلتكن النهاية ولبئسها نهاية.

——————-
* قاص وروائي مصري.

شاهد أيضاً

وفاء أنور تكتب: حكاية العم “رجب”

عدد المشاهدات = 4137 أبطأت خطواتنا وهدأت من سرعتها اضطرارًا، اضطربت حركة أقدامنا المثقلة متأثرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.