السبت , 27 أبريل 2024
غلاف الكتاب

بعد أربعين عامًا.. «دار المعارف» تعيد طباعة ترجمة كتاب روشيه عن «بارسونز»

= 1622

 

 

 

فى إهدائه لكتاب النسق الاجتماعى لزوجته، وصف تالكوت بارسونز نفسه بأنه «مريض بالتنظر»، والحقيقة أنه من الصعب أن نجد أفضل من هاتين الكلمتين لوصف هذا الرجل والدور الذى لعبه فى علم الاجتماع الأمريكى خلال السنوات الماضية، فتالكوت بارسونز يشغل مكانًا خاصًا ومرموقًا بين علماء الاجتماع الأمريكيين. لقد جاء بارسونز بثورة نظرية، لقد وجه كل أعماله تجاه تحقيق هدف واحد هو: تطوير إطار نظرى تصورى من أجل أن يحتل علم الاجتماع مكانة علمية حقيقية، وأن يربطه فى ذات الوقت ربطًا منطقيًا بالعلوم الاجتماعية الأخرى.

 

 

 

 

إن النظرية التى قدمها بارسونز نظرية وثيقة الصلة بأمريكا وبعلم الاجتماع الأمريكى، واعتبر المجتمع الأمريكى معمل أبحاثه الرئيسى، حيث نجح أكثر من أى شخص فى تأسيس مدرسة فكرية وأثر فى أجيال عديدة من علماء الاجتماع الأمريكيين المرموقين، نذكر منهم: روبرت ميرتون، وروبين ويليامز، ونبل سملسر وإدوارد شيلز، وروبرت بيلاه وآخرون. ويجدر بنا الإشارة إلى أن أعمال بارسونز تعرضت لنقد شديد واتهام داخل أمريكا نفسها، غير أن الدكتور أحمد زايد، بعد دراسة علم الاجتماع وتدريسه، يرى أن تالكوت بارسونز هو أعظم المنظرين فى القرن العشرين، وأن انتقاده ما هو إلا نوع من الهروب من قراءة أفكاره المعقدة ولغته المتراكبة فى غابة من المفاهيم.. بعد أكثر من أربعين عامًا من صدور الطبعة العربية الأولى، إذ تعيد دار المعارف طباعة ترجمة كتاب روشيه عن بارسونز، تشارك فى التعريف بواحد من أهم منظرى علم الاجتماع فى القرن العشرين، وهى ترجمة أمينة قام بها الدكتور أحمد زايد «مدير مكتبة الإسكندرية»، ومراجعة تعليق للأستاذ الدكتور محمد الجوهرى. مكنت ترجمة الكتاب طلاب علم الاجتماع من أن يقرأوا إسهامات هذا السوسيولوجى الفذ. وأتاح لقراء العربية مادة علمية ثقافية جديرة بالاهتمام.

 

 

 

 

قد سيطر بارسونز وأتباعه على مسرح علم الاجتماع الأمريكى طوال الخمسة عشر عامًا التى تلت الحرب العالمية الثانية. وبالرغم من أن أعمال تالكوت قد أثارت من التعليقات المعادية أكثر مما أثارته من التعاطف، فقد ظلت هذه الأعمال باقية فى بؤرة الاهتمام. ولكى نفهم لماذا أثارت أعمال بارسونز كل هذه الدهشة، ولماذا هى أعمال غير مفهومة ومتهمة حتى داخل الولايات المتحدة نفسها، خاصة فى بداية ظهورها، من الضرورى أن نتعرف على المناخ السائد فى علم الاجتماع الأمريكى فيما بين الحربين، وبهذا نكون أكثر قدرة على أن نفهم لماذا يعتبر فكر بارسونز فكرًا شجاعًا ومبدعًا.

 

 

 

 

ولقد قدم جى روشيه فى هذا الكتاب أول مسح شامل ودقيق لكل أعمال بارسونز تقريبًا منذ بداية عمله الأكاديمى وحتى عام 1970، ولم يقتصر على عرض النظرية السوسيولوجية وعلم الاجتماع السياسى عند بارسونز، بل ناقش أيضا نظريته فى الشخصية وآراءه فى علم الاجتماع الاقتصادى، والتى لا يألفها معظم الباحثين فى علم الاجتماع. ولقد أوضح جى روشيه أيضا أن المقالات الإمبيريقية لبارسونز، والتى تحظى بإعجاب يفوق الإعجاب بآرائه النظرية- تمثل جزءا متكاملًا مع أعمال بارسونز الأخرى، وأنها لعبت دورا جوهريا فى تطور مشروعه النظرى.

 

 

 

 

بقى القول إن عالم الاجتماع الأمريكى تالكوت بارسونز ولد فى 13 ديسمبر 1902، فى ولاية كولورادو، ينحدر بارسونز من عائلة متدينة ذات ثقافة رفيعة، كان والده يعمل موظفا فى الكنيسة الشعبية، ولعب دورًا نشيطا فى الحملة البروتستانتية للإصلاح الاجتماعى، والتى عرفت «بحركة الإنجيل الاجتماعية»، ولقد قام بتدريس اللغة الإنجليزية فى كلية كلورادو، حيث أصبح عميدًا لها قبل أن يعين فى النهاية رئيسًا لكلية ماريتا فى أوهايو.

 

 

 

 

وهكذا نشأ بارسونز فى جو بروتستنتى، فى وسط التراث الإصلاحى البيوريتانى فى منطقة وسط غرب أمريكا فى الربع الأول من القرن. والتحق بارسونز فى الفترة من 1920 إلى 1924 بكلية أمهرست، وقد حصل على البكالوريوس عام 1924، وقد كانت فى الفلسفة والبيولوجيا التى كانت محور اهتمامه الأساسى، مقتفيا أثر أحد أخوته الكبار، ولكن بدأ فى عامه الثالث فى كلية أمهرست يهتم بالعلوم الاجتماعية، وقرر فى النهاية أن يكمل دراساته العليا فى علم الاجتماع، ثم توجه إلى لندن ليكمل دراساته العليا بعد حصوله على دعم مالى من عمه.

 

 

 

 

فذهب للدراسة بمدرسة الاقتصاد بلندن لمدة عام، حيث درس على يد عالمى الاجتماع «هوبهاوس» و«جينزبرج» والأنثربولوجى مالينوفسكى، والذى مارس عليه تأثيرا ملحوظا. ولقد حصل بارسونز على درجة الدكتوراة فى الفلسفة من جامعة هيديلبرج 1925-1926) وبعد عودته من لندن عين بارسونز محاضرًا للاقتصاد بكلية أمهرست، ثم انتقل إلى جامعة هارفارد عام 1927، حيث استمر محاضرًا لها لمدة تسع سنوات، الأربع الأولى منها قضاها فى قسم الاقتصاد، والخمس سنوات الأخيرة فى قسم الاجتماع، حيث أصبح عضوًا فى هيئة التدريس بقسم الاجتماع، تحت رئاسة سوروكين.

 

 

 

 

ولقد رأس فرع العلاقات الاجتماعية بجامعة هارفارد عام 1946م، ولقد عمل بارسونز أستاذًا زائرًا للنظرية الاجتماعية بمدرسة الاقتصاد بلندن- جامعة كمبردج، كما عمل عضوًا ورئيسًا للأكاديمية الأمريكية للعلوم والفنون 1967.. وكان أول متخصص فى العلوم الاجتماعية يشغل هذا المنصب، وأخيرا كان بارسونز أول عالم اجتماع أمريكى يتصل بعلم الاجتماع السوفييتى، فقد كان أول عالم يزور الاتحاد السوفييتى عام 1964 بدعوة من الأكاديمية السوفيتية للعلوم ليلقى مجموعة من المحاضرات. وتوفى فى 8 مايو 1979.

 

 

شاهد أيضاً

الجمعة المقبل.. افتتاح جناح سلطنة عُمان في بينالي البندقية الدولي للفنون 2024

عدد المشاهدات = 10193 مسقط، وكالات: تشارك سلطنة عُمان يوم الجمعة القادم بجناح في الدورة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.