الجمعة , 26 أبريل 2024

“انسحاب تكتيكي”…قصة قصيرة بقلم: د. محمد محيي الدين أبو بيه

= 546

 

لم يتنازل عن أرضه وبقي يزرع فيها وحده رغم التهديدات التي تلقاها من اصحاب النفوذ واجتياحهم لها أكثر من مره…فلقدتفاوضوا معه مرارا لشراءها منه ولكنه رفض البيع وعندما أصر بدأت اساليب الردع والتخويف من جانبهم فهم يريدونها رضاءا او اغتصابا فالمشروع الذي يعزمون تنفيذه يبدأ من ارضه وعدم الاستحواذ عليها يعني عدم اكتمال مشروعهم .
لقد تخرج من كلية الزراعه ويعمل مدرسا بمدرسة الثانويه الزراعيه وينفذ كل تعلمه بالكليه لزراعة البطاطس والكمون والطماطم وباقي الخضروات الاستراتيجيه فهو يعتبر ذلك هدف يحيا من أجله وتفريطه فيه يعني موته. لذا عزم علي الصمود امام كل الاغراءات والتهديدات التي يواجهها
الصراع احتدم وسار الي طريق قاسي وهو يتحمل فقد قاموا باطلاق الاعيره الناريه عليه وهو بالارض وارسلوا رساله بان هذه المره الاطلاق في الهواء اما المرات القادمه فستكون بالهدف
لم تستجب السلطات لشكواه زاعمين أنه لم يقدم أي دليل ضد أحد فأحس انه سيكون بمفرده في هذا الصراع القذر.
اتجه الي صفحات الجرائد ووجد تجاوبا من احد صحفيي جريده قوميه وأفرد له مساحه عريضه.فأُثلج صدره ورجعت له انفاسه المكتومه وفُرج صدره.فبعد ما تم عرض قضيته بالجريده خفت صوت الطامعين بأرضه وما عادت تصل اليه تهديداتهم وليس هناك اي اجتياح لارضه من قِبلهم. أشرقت الشمس وأنارت اوراق زرعه الذي زاد اخضراره مع زوال الازمه وفوزه بالصراع وانتشر الخبر بجميع الانحاء…وباتت قصة مهندس ابراهيم علي كل لسان وصموده وانسحاب الشركه صاحبة المشروع.
مع انفراج ازمته هدأت افكاره وتماسك وتفرغ لزراعته بالخمسة فدادين التي كان مستعدا ان يضحي بحياته من اجلهم ليس فقط لانها ثروته التي آلت اليه بعد وفاة والديه لانه وحيدهما لكن لكونه مهندسا زراعيا في الاساس يعلم أهميتهم لتنمية المحاصيل الزراعيه الاستراتيجيه لبلده ولكي تزداد لابد ان يتمسك كل مواطن بارضه الزرراعيه ولا يفرط فيها لتتحول الي كتلات خراسانيه
اقام له اصدقائه بالمدرسه احتفاليه بسيطه احتفاءا به وتحية لشجاعته.وبعد الاحتفاليه تنحي به مديرالمدرسه جانبا
..ايه ياعم ابراهيم الارض واستتب الامربيها مش ناوي تفرحنا بيك وتدخل قفص الزوجيه
..ايدي علي كتف حضرتك
..انا عندي عروسه حلوه ليك
…مين ياترى
…الاستاذه سعاد اللي معانا في المدرسه..غلبانه وفي حالها وهتبقي معاك علي الحلوه والمره
….والله…أفكر…هي مش بطاله..
وبعد شهر..تمت الخطوبه …وانبهر ابراهيم بطريقة تفكير سعاد حيث اقترحت عليه الاشتراك بسوق العبور وفتح محل هناك يورد من خيرات محصوله له وبالتالي يستفيد من الناحتين دونما استغلال من التجار له ولانتاجه..
ولكن الاشكالية كانت في توفير مبلغ المحل وهو كبير مقارنة بما معه من سيوله فاعطته سعاد الذهب الذي احضره لها ك شبكة لها عند الخطوبه قائلة..خد بيعه وكمل مع اللي معاك وبعدين جيبلي غيرو…
كَبرت سعاد في نظر ابراهيم وشعر بانه أحسن اختيارها
وتم ما اراد وأشتري المحل…
وهكذا قسم ابراهيم وقته بين المدرسه وأرضه ومحل الخضار بسوق العبور…وفي باله اتمام زيجته بسعاد…التي يعتبرها فاتحة خير عليه….. اتي اليه مدير المدرسه يزف خبر انتدابه لبعثه خارج مصر لمدة ثلاثة شهور تابعه لوزارة الزراعه لتعلم كيفية زيادة ناتج المحاصيل في المناطق الحاره في ظل نقص المياه
فرح جدا واخذ يتأبط المدير ويحتضنه بعنف
يا سلام..دي سعاد دي وشها حلو عليا أوي..
ولكن فجاه سكت وكأنه تذكر شياءاً مهماً…بس الارض والمحل…مين هيواليهم
…عندك سعاد جدعه وهتاخد بالها من كل حاجه
…سعاد…هتقدر
..وكلهم تلات شهور ..يعدو هوا..ماضيع فرصه حلوه من ايديك
…طب والتعاملات والتعاقدات الفتره اللي جيه المحاصيل هتتورد
…ياعم بسيطه انت كده كده ناوي تكتب كتابك وتم جوازك علي سعاد فاعملها توكيل تتصرف بيه وانت غايب
…توكيل؟..وبعدين
..مفيش بعدين..هي في حكم مراتك وأديك شايف وشها حلو عليك ازاي والدنيا بقت مفتوحالك
…والله عندك حق يا حضرة اامدير اخذ يحلم ابراهيم بكل شيء…بالبعثه وتنقله بين زراعات ارض اجنبيه والخبره التي سيكتسبها لزيادة محاصيله..وبزواجه ..وبالبيت الذي سيحوطه هو وسعاد وابناء المستقبل…
اعد نفسه للسفر ومن ضمن اعداداته عمل التوكيل لسعاد ..
..كلها تلات شهور واجي نتجوز علي طول وبفلوس البعثه هيجبلك الدهب بتاعك
…تروح وترجعلي بالسلامه
بعد سفر ابراهيم بيومين فوجيء اهل البلده واصحاب الارض المجاوره له بمعدات وادوات بناء حطت ناحية ارض ابراهيم..ونفس الوجوه التي كانت من قبل تأتي وتهدده ظهرت من جديد
تهامس الجميع وتساءلوا
كانت الاجابه منهم…ابراهيم باع الارض والمحل والبيت وسافر للخارج
اندهش الجميع..لانه هو الوحيد الذي كان رافضا للبيع وكان هو العثره امامهم لبداية البيع
..ووسط انغام حزينه للشجر والطير أخذت الالات تسحق الخمسة افدنه بما عليها وتحطم زرعة الشهور الماضيه
وكانت الكتل الخرسانيه قد دُكت بالارض دكا..وسواد الاسمنت قد زُرع بدلا من الاخضر اليانع…
مرت الثلاث شهور..رجع ابراهيم وهو في طريقه لاحظ نظرة الناس اليه في الطريق وهو بالسياره التي اتت به من المطار تعجب واستبد به الخوف خاصة ان سعاد انقطعت رسائلها عنه من بعد سفره بأيام رغم علمها بمكان وجوده الذي أرسله في اول خطاب لها…وايضا مدير المدرسه…
خطوات مثقله الي بيته الذي لم يعد بيتا بل كوما من تراب
أخذ يتساءل ما الذي حدث
اشاروا اليه ناحية أرضه الزراعيه فجرى سريعا ليجدها وقد أضحت ارضا اسمنتيه..
ألجمت المفاجات لسانه وعقدته واختفي الريق من فمه ودارت الارض دوران الطاحون برأسه
ليجد نفسه داخل عنبر المستشفى..
أحد جيرانه الذين حملوه الي المستشفي كان يتحدث لآخر بجوار سريره وهو مغمض العينين وأذنه تصتنت الي كلامه..بيقولو ان الاستاذه سعاد ومدير المدرسه كانوا مع الجماعه اياهم وخلوا عمل توكيل ليها وبعدها هي باعتلهم الارض بموجب التوكيل…
…ناس ولاد أبالسه لعبوها عليه صح
…بعد الدوشه اللي عملها ف الجرانين انسحبوا انسحاب تكتيكي ورجعوا واخدوا كل حاجه بمنتهى النعومه…
..وكانت هذه الكلمات آخر ما سمعه ونطق بعدها …انسحاب تكتيكي..انسحاب تكتيكي…وانسحبت روحه بعدها..

شاهد أيضاً

إنجي عمار تكتب: قبل ودبر..!

عدد المشاهدات = 5779 قبل ودبر بضم الحرف الاول من كلتا الكلمتين. كلمتان بينهما تضاد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.