السبت , 4 مايو 2024

الشاعر عبد الرزاق الربيعيّ: ليس للشاعر علامة رفع ، ونصب، وجر سوى قصيدته!

= 1662

raza

الشاعر عبدالرزاق الربيعي


الموت كنز ثمين ورثناه من الحضارة الرافدينيّة القديمة

المخيّلة هي الفضاء الذي تسبح به مجرّات النص الشعري

 

حاوره: ناصر أبو عون

يختصر الشاعر عبد الرزاق الربيعي الذي ينتمي لجِيلِ الثَّمانينياتِ فِي الشِّعْرِ العِرَاقي الحَدِيثِ، رحلته في الغربة ببيتين في تعريفه بحسابه على موقع "تويتر" للشاعر "أبو علي الكافي" " المتوفى سنة430 هـــ  الذي عاش سنوات طويلة في العراق ، ثم انتقل إلى عمان ، والبيتان هما:
ماجرّ هذا الخطب غير تغرّبي
ومن التغرّب ما أذلّ وأهونا
وإذا الأماني لم تنلها معرقا
فاثن العنان وسر تراها معمنا

وبين عمان الهويّة، والإقامة، وعراق الأصل، والمنشأ ،تقلّب الربيعي على جمر القصيدة، مع رفاقِ دربِ الألمِ، والشِّعرِ: "عدنان الصائغ، وجواد الحطّاب، وفضل خلف جبر، وأحمد الدوسري، وسعيد الصقلاوي، وحسن المطروشي، ودنيا ميخائيل"، ثم أمضى  الربيعي سنوات في اليمن السعيد؛ كانت من أكثر سنوات عمره خصوبة؛ شعريّا، إذ نضجت تجربته من خلال قراءاته بمكتبة مركز الدراسات والبحوث اليمنيّ، ولقاءاته بنخبة من الأدباء، والأكاديميين العرب المقيمين في اليمن آنذاك في مجلس الدكتور عبد العزيز المقالح الأدبي كسليمان العيسى، وحاتم الصكر، وعلي جعفر العلاق، وعبد الرضا علي، وسعيد الزبيدي، وعبد الملك مرتاض، وشاكر خصباك، وإبراهيم الجرادي، وشقّت مسرحيّته"آه أيتها العاصفة" طريقها من أزقَّةِ اليمن وحاراته، ومجالسه للجمهور، فقدّمها المخرج الراحل كريم جثير، قبل أن ينتقل بها إلى مسارح كندا، ويكون ذلك العرض فاتحة خير لنصوص  قُدِّمت على العديد من  المسارح العربيّة، التي شارك بعضها في مهرجانات دوليّة، وفي عام 1998 انتقل  الربيعيّ إلى سلطنة عُمان، واختار الإقامة فيها،  وعمل في صحافتها الثقافيّة، ومؤسساتها الإعلاميّة،  واعتمد مراسلا للعديد من الصحف، والمجلّات العربيّة كـ"الزمان"، و"الفينيق"، و"دبي الثقافيّة"، قبل أن يعمل في مركز الدراسات والبحوث بمؤسسة عمان للصحافة، ومديرا لتحرير صحيفة"أثير "الالكترونيّة.

 وعلى صعيد الكتابة تنوَّعَتْ مَسَارَاتِ الربيعي  الإِبْدَاعِية بين الشِّعرِ، والمسرحِ، والمقال الأدبي ، وقصيدة الطفل، وكانتْ هذه المساراتُ المتقاربَةُ في القيمة، والمعنى، والمجاز بمثابةِ المتن والعمود الفقريّ لِجُلّ إنتاجه، وإنْ شكَّلتْ الصحافة الهامش الديناميكيّ في خط مسيرته، وسيرته الإنسانيّة فقد أنتج الرجل أكثر من 20 كتابًا أغلبُها شعر، وبعضُها مسرح، وأقلها أسفارٌ نقديّة وصحافيّة إلا أنَّ (الفَقْد) يمثلُ الإضاءةَ الكاشفةَ و(المجازَ) المخترقَ لكل فاصلةٍ، من (جذور الكلمات الثكلى) صعودًا إلى (ثمراتِ المعنى) كقيمةٍ تُسَيْطِرُ، وَتُسَطِّرُ الفكرةَ المتَشَظِيَةَ في سَائِرِ مَنْتُوجِهِ الإبْدَاعِيّ؛ فعلاقته بالفقد "ليست آنيّة، ولا هي بالطارئة، ولا تربطها به صداقة عابرة، بل هي متجذّرة، في ذاكرته تجذَّر الحياة التي خاصمت بعضه، وكُلّه "بدءًا من الوقوف على أطلال الحاراتِ العراقيةِ العتيقةِ، ونواصي الحنينِ على قارعاتِ المناطق الشعبيّة، حيثُ الفقر، والمرض، والأوبئة، ليصبح الفقد عنوانا مناسبا لتلك النشأة، وماتلاها من عناوين، بعد سنوات الحروب التي عبثت بالأرواح، والأجساد، وكلّ ما بناه الإنسان، وما صاحب تلك السنوات، وماتلاها من خناق، وانتهاكات، وحصار، وفوضى ممنهجة"، وكانت الصدمة الأولى مع الفقد بتغييب أخيه "عبد الستّار" عام1981م،  والعديد من أصدقائه ومن بينهم الكاتب حسن مطلك ، في مرحلة شهدت الكثير من التعسّف بتاريخ العراق الحديث،  لذا ليس من باب المصادفة أن تحمل مجموعته الأولى عنوان"إلحاقا بالموت السابق، الصادرة عام 1986م، وجاءت الثانية بعنوان "حدادا على ما تبقى" بعد حرب الخليج الثانية عام1991م، والثالثة تحت لافتة "جنائز معلّقة"، و"خرائط مملكة العين " إلى جانب كتب من بينها  "مدن تئن وذكريات تغرق"، و"يوميات الحنين".. وأخيرًا انفرطَ عِقْدُ الفَقْدِ عن آخرِه، وانفتَحَتْ مَصَاريعُ (المفارقةِ)، فتوجّها بمجموعتهِ الأحدث زمنيًا والحداثويّة رؤيةً "قليلا من كثير عزّة " التي فاضتْ به روحُه الملتاعة عَقِبَ وفاةِ زوجته "عزة الحارثي"، وصدرت عن "بيت الغشّام"، وقد التقيناه،،،،،، ودار الحوار التالي:

**  وصف الناقد د.حاتم الصكر  مجموعتك  الجديدة بأنها"تراجيديا شعرية باذخة"،هل أردت للمجموعة أن تكون مرثية للراحلة التي أهديت لها المجموعة؟
*** لا ينفصل الشعر عن مجريات الحياة، وتقلّباتها، لأنّ الشاعر، أسوة ببقيّة الكائنات، يقع عليه فعل الفاعل، فينصبه، كمفعول، وليس للشاعر علامة سوى قصيدته، ويمكن للقصيدة أن تكون علامة رفع ترفع شأن صاحبها،وتنصبه، وتكسره، وتجرّه من ياقته إلى أقبية الظلام، والنسيان، وسوى ذلك يكون لا محلّ له من الإعراب، من هنا كان لابدّ لتجربة الموت الفاجع للراحلة، ومن قبله الصراع مع المرض الخبيث أن تلقي ظلالها على كياني، وتفاصيل حياتي، وقصيدتي كونها جزءًا من هذه التفاصيل، بل الجزء الأكبر منها، وقد خطرت فكرته في اليوم التالي للوفاة، ربما لاستعادة تلك التفاصيل، ومقاومة الموت،ومعاندة الفناء، وتحويل الشعور بالحزن، والألم إلى طاقة منتجة، ومحرّك، ومشغّلة،وبالوقت نفسه شعرت بمتعة ثقيلة، هي متعة الباحث عن الضوء في نفق طويل، وغامض،قد يجد صعوبة في حفريّاته، وبحثه، لكنّه يكون مسكونا بأمل العثور عليه، لذا لم أشأ أن يكون كتاب"قليلا من كثير عزّة" كتاب موت، بل حياة، وحب، وأمل، وقد تحدّثت في مقال لي حمل عنوان "قبل أن ترتدي البجعة ثوبها"، عن الأثر الذي تركته بنفسي وصيّتها لي قبيل دخولها صالة العمليات، وكنت أجري وراء النقالة التي أخذتها للأبد، وكانت "كن قويّا، فأنا قويّة "، إذ جعلتني كلّما أتذكّرها، في لحظات الوهن الإنساني الذي يداهمنا عندما نفارق من نحب، أستعيد نشاطي، بعد أن انتشلتني من الغوص في بئر لا قرار له.

** وربّما يمكننا اعتبار "قليلا من كتاب عزّة" كتاب وفاء؟
*** الوفاء شكل من أشكال الحبّ، ولا يملك الشاعر وسيلة تعبير عن وفائه، وعاطفته سوى قصيدته، التي هي كلّ ما يملك ، وأقلّ ما يقدّم لرفيقة  درب بيني وبينها"مودّة ورحمة"، يقول المتنبّي:
أحببت برك إذ أردت رحيلا             فوجدت أكثر ما وجدت قليلا
برّ يخفّ على يديك قبوله                ويكون محمله عليَّ ثقيلا
 
** لقد استعدت من خلال المجموعة تفاصيل حياة قاربت العشرين عاما، هل كنت انتقائيّا في تلك الإستعادة؟
*** ليس كل تفاصيل الحياة تصلح أن تكون مادّة شعريّة، فعندما نجد أنفسنا مدفوعين لكتابة نص شعري، لابدّ أن تكون لدينا مصفاة تعزل ما علق في شباكها من شوائب، لترميها، وتمسك بما هو نفيس، وما يشع منه بريق الشعر، ويصلح أن يكون بذرة صالحة للإنبات، لو وجدت لها أرضيّة صالحة للإنبات، وهنا ينبغي التحرّك باتجاهين: للخلف، من خلال التنقيب في أوراق الماضي،ليس للوقوف عندها، والبكاء على الأطلال، بل لتفحصها، واستنباط الدروس، والعبر، يقول والت ويتمان" على الفنان أن يتصفّح الماضي بتبجّل، ووقار، ثمّ يدعه جانبا" والحركة الثانية تكون باتّجاه الأمام باعتبار الشعر رؤيا تتأسس داخل نظام من العلامات، والإشارات، والنسيج اللغوي، من هنا تصبّ هذه الإنتقائيّة في صالح العمليّةالشعريّة.

** ومادور المخيّلة في تحفيز الذاكرة الشعريّة؟
*** الكتابة تحتاج إلى مؤثّرات خارجيّة تتصادم مع محفّزات داخليّة،فتولد شرارة الكتابة، ولابدّ من الانفعال،الذي يستمدّ طاقته من الذاكرة الشعريّة، التي هي "عصب الشعر" كما يرى ستيفن سبندر،دون إهمال جانب التخيّل، وهو"تدريب على استعمال الذاكرة"برأيه، ذاكرتك الشخصيّة مليئة بالتفاصيل ،والأحداث، كيف تتحوّل تلك التفاصيل إلى وقود تمدّ الذاكرة الشعريّة بنسغ الشعر.

** أشار صديق دربك الشاعر عدنان الصائغ إلى قضيّة ملازمة الموت لنصّك الشعري منذ أوّل مجموعة أصدرتها منتصف الثمانيّات ، وحملت عنوان" إلحاقا بالموت السابق"، والثانية " حدادا على ماتبقّى " ، والثالثة" جنائز معلقة"..الخ، وقال" كأن الفقدان قدرٌ يتبعه كظله، فاتحاً شدقيه لالتهام كل ما قد تجود به حياته الشحيحة من مسرات، وآخره هذا القليل الجميل"،هل أنّ هذه العلاقة مع الموت، مترسّبة في اللاشعور؟
*** سؤال الموت هو سؤال فلسفي شغل المفكّرين،وإذا كانت الإجابة جاهزة لدى الأنبياء، والكتب السماويّة كون الموت رحلة بين عالمين: زائل، ودائم، فإنّ الشعراء، كبشر، نظروا للموت كـ" هادم اللذات، ومفرّق الجماعات"، لذا حاول "كلكامش" في الملحمة أن يقهر الموت، بعد أن فجع بموت صديقه " أنكيدو"،فمضى في رحلة طويلة  للبحث عن عشبة" الخلود" التي سرقته الأفعى، ولم يكن أمامه سوى أن يصغي إلى نصيحة صاحبة الحانة" سيدوري" بأن "الآلهة استأثرت بالشعلة الحيّة" ولا نصيب للبشر سوى المتع الصغيرة، وقهر الموت لا يكون إلا بخلود الذكر، من خلال مايترك الإنسان من أعمال بعد رحيله عن العالم،القلق من الموت هو جزء من الحياة، كونه يقف على الطرف الآخر، ولم يكن الإنسان خائفا من وقع خطواته، بل تحدّاه، وفي هذا يقول الحلاج" خذوني للموت ودعوا لي صوتي"، هذا "الصوت" هو ترجمة للخلود الذي شغل كلكامش، وهاهو الحلاج يمضي للموت ، لكن بقيت كلماته، ومواقفه. أمّا سؤال الموت، فهو إرث رافديني ، وكنز ثمين ففي الحضارة الرافدينية القديمة يرتبط الموت بالخصب، فتتحوّل مأساة احتجاز  ديموزي(في الحضارة السومريّة) وتموز (في الحضارة البابليّة)  في العالم السفلي ، وطقوس الحزن الجماعي لسكّان بلاد ما بين الرافدين ، ومواساة إنَّانا–عشتار، "ملكة السماء"، لحزنها على حبيبها من أجل إنقاذه من الموت . ومن ثمّ الابتهاج بقيامته من جديد، في الربيع،  وتكون قيامته إيذانا بالخصب ،ويكون الاحتفال عيدا سنويّا  مقدّسا ، وهذا دليل على اقتران الموت بالحياة ، وجدليّة ارتباطهما ، كون أحدهما يعزّز الآخر.

** ما ذا عن المستوى الشخصي، وقد فقدت الكثيرين من الأحبّة؟
*** كلاهما مرتبط بالآخر، و يظلّ الحزن مترسّبا في الوجدان الجمعي،   ففواجعنا بفقدان الأحبّة  تجعلنا نستحضر الفكرة الكبرى، وقد فجعت بفقد الكثيرمن الأهل والأصدقاء، بخاصّة إنّني منذ فتحت عيني على الحياة، وجدت يد الموت تمتدّ بين حين، وآخر لتقطف زهرة في حديقة المنزل ، أو الحدائق المجاورة، وكان الموت في قمّة غطرسته خلال سنوات حربين طاحنتين عشتهما في العراق أكلتا الأخضر، واليابس، وساهمت سنوات الحصار ، والألم ، والطغيان، في التربيت على كتف الموت، فكان من الطبيعي ، أن تجد هذه الأحداث انعكاساتها على لغتي، ونصوصي.

**يقول الدكتور حاتم الصكر في مقدّمة المجموعة "سيجد النقاد الموضوعاتيون ذخيرة نصيّة هائلة تحوّلت من خلالها آلام الشاعر من واقعة حياتيّة ممضّة تتّصل بالموت إلى واقعة شعريّة تتمدّد ،وتتوسّع عن تلك الأحاسيس المتدرّجة من الفقد ،إلى السهد والشوق، فالآلام حالة تتكيّف بالحزن والوجد وغيرهما "، ولهذا جعلت العنوان الثانوي للمجموعة" نصال الفقد، والسهد، والوجد"، كيف احتملت هذا الألم خلال الكتابة؟
** كان التخفّف من آلامي الشديدة دافعا آخر، للكتابة، ومراجعة النصوص التي كتبتها خلال مرحلة المرض، وضمّها للمجموعة، ومحاولة ترميم الذات على الورق بعد الذي حصل لها،ابتداء من رحلة العلاج في بلجيكا ،وانتهاء بآخر إغماضة لعينيها في المستشفى السلطاني، وكانت رحلة  قاسية، نكأت الجروح القديمة، بل بدت تلك الجروح، وكأنّها وخزات إزاء جرح جديد سيظلّ ناغرا، يقول كُثَيِّر عزّة:
ولمْ أَكُ أَدْرِي قَبْلَ عَزّة مَا البُكا ***ولا مُوجِعاتِ القَلْبِ حَتَّى تَوَّلَّتِ
وكنت، خلال عمليّة الاشتغال على المجموعة أضع ببالي مقولة دينيس كاتون "الألمُ شفاءٌ للألمِ"، لكنّني وجدت نفسي "كالمستجير من الرمضاء بالنار"، لقد فررتُ من ألم الموتِ إلى ألمِ الكتابة، وكان أحلاهما مرّا، ويبقى الألم"مربّي الإنسان الأكبر" كما يقول أناتول فرانس، ودافعا مهمّا للكتابة، والحياة.

** إذن القصيدة لا تفصل عندك عن الأحداث، كم هو نصيب المخيلة من العمليّة الشعرية؟
*** القصيدة بشكل عام تأسيس لواقع بديل، يقيم في المخيّلة، ونتاج عملية مركّبة كونهامزيجا من أحداث في التاريخ الشخصي والعام، وأحاسيس، وصور، وأصوات، وألوان، يؤكّد العلماء أن "لصنع رطل واحد من العسل يحتاج النحل لامتصاص رحيق مليوني زهرة"، ويمكن لنا أن نتخيّل كم يحتاج الشاعر من تجارب، وقراءة، وبحث لكتابة قصيدة؟ المخيّلة هي الفضاء الذي تسبح به مجرّات القصيدة، وبذلك فهي تحضن  كلّ تلك العناصر،تحت معطفها.

** انشغلت في مجاميعك الأولى باستثمار الأساطير، لكنّ هذا الملمح بدأ يختفي في مجاميعك الأخيرة.. هل فقدت الأساطير قدرتها على استفزازك؟
*** تمثّل الأساطير إرثا ثقافيّا أنتجه العقل البشري في مرحلة من مراحل تجلياته، لذا وجدت في الأساطير تحليقا، ومتعة ذهنيّة، ارتفاعا ، عن الواقع الجامد،فكانت قراءة الأساطير بالنسبة لي تشبه صعود جبل ، وهنا تحضرني مقولة لنيتشة هي "من يحلّق فوق أعالي الجبال يستهزيء بجميع مآسي الحياة ، ويستهزيء بمسارحها، بل يستهزىء بالحياة نفسها"، وفي الأساطير مادّة شعريّة ثريّة، هذه المادّة حين تمتزح بتفاصيل مستلّة من الواقع تعطي بريقا، وعمقا للنص الشعري، وبعدا دراميّا، هذه العناصر أعتبرها شروطا مهمّة لضمان ديمومة النص الشعري، لكنّ هذه الأساطير يمكن تمثّلها عضويّا داخل جسد النص، وبذلك تطلق للمتلقي العنان في التفسير، والتأويل، ولا تحدّده في مساحة معيّنة، كما أنّ هذه الأساطير غادرت الكتب، وذابت في تفاصيل الحياة، وصارت جزءا من حركة الواقع ، وتحوّلاته، وصيرورته، فالأساطير" تولد تحت أقدامنا كلّ يوم" كما يقول أراغون.

وماذا بعد "عزّة الحارثي"؟
*** شعريّا، بدأت الاشتغال على مجموعة وضعت لها عنوانا أوليّا هو"تباريح ليل الوحيد"، أحاول من خلاله إعطاء مساحة أوسع لمناجاة النفس، والتأمّل، وتأثيث النص بالروحانيّات، التي تجعل الحزن شفيفا، أمّا على مستوى الحياة، فإنّ  "دجلة" ذات التسع سنوات، تبقى نبراسا يضيء أفق حياة شاقّة، وعصاي التي أتوكأ عليها، وأهش بها على أيّامي، وفي النهاية، شئنا أم أبينا، هي أقدار لا مفرّ منها، وابتلاءات،  يقول تعالى "  وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:155-157"، تقتضي الصبر، حتى تبتسم لنا المقادير، ابتسامة مجنّحة بوحي من المحبة التي تقطن أرواحنا، والأمل ، مستمدّين   العزيمة من وصيّة الراحلة التي نطقت بها، وهي على فراش الموت:  "كن قويّا، فأنا قويّة".

شاهد أيضاً

وفاء أنور تكتب: حكاية العم “رجب”

عدد المشاهدات = 6399 أبطأت خطواتنا وهدأت من سرعتها اضطرارًا، اضطربت حركة أقدامنا المثقلة متأثرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.