الثلاثاء , 7 مايو 2024

الأفاقون.. آفة المجتمع!

= 862

 

بقلم العلامة الراحل : محمد الغزالي

إننى أسأل نفسى بإلحاح فى هذه الأيام العجاف: هل يشعر العرب بأن محمدا مرسل للعالمين، وأن هذه «العالمية» فى دعوته تفرض عليهم بعد إذ عرفوه أن يعرِّفوا الناس به، وهم عندما يعرّفون الناس به لن يصفوا لهم ملامحه الشخصية، وإنما يشرحون لهم رسالته الإلهية!

لكن عرب اليوم لا يقدرون محمدا قدره، ولا يخلفونه بأمانة فى مبادئه وتعاليمه، ولا يحسون قبح الشبهات التى أثارها خصومه ضده بل هم ـ علما وعملا ـ مصدر متاعب للإسلام ولنبيه الكريم، وشاهد زور يجعل الحكم عليه لا له!

قد تقول حسبك حسبك إن الناس بخير، ومحبتهم لرسولهم فوق التهم فلا تطلق هذه الصيحات الساخطة فما تحب الجماهير أحدا كما يحب أتباع محمدِ محمداً.

وأقول لك : سوف أغمض العين عن ألوف من المتعلمين ضلل الاستعمار الثقافى سعيهم، وشوه بصائرهم وأذواقهم، مع أن وزنهم ثقيل فى قيادة الأمة العربية، فما قيمة الحب الرخيص الذى تكنه جماهير الدهماء؟

إنه حب غايته صلوات تفلت من الشفتين مصحوبة بعواطف حارة أو باردة، وقلما تتحول إلى عمل كبير وجهاد خطير، والترجمة عن حب محمد بهذا الأسلوب فى وقت ينهب فيه تراثه أمر مرفوض إن لم يكن ضربا من النفاق!

أذكر أننى ذهبت يوما لأحد التجار كى أصلح شيئا لي، فاحتفى بى وقدم بعض الأشربة، وأفهمنى أنه أتم ما أريد بعد أن وفيته ماأراد. ثم شعرت أن عمله كان ناقصا ولا أقول مغشوشا!

فقلت: ليته ماحيا ولا رحب وأدى ماعليه بصدق! ماذا أستفيد من تحيات لاجد معها ولا إخلاص؟

إن العرب لا يعرفون أى شرف كتب لجنسهم ولغتهم وأمسهم وغدهم عندما ابتعث الله محمدا منهم، وإن التقدير الحق لهذا الشرف لا يكون بالسلوك المستغرب الذى يواقعونه الآن ومنذ بدأوا يعبثون برسالة الله بينهم.

لما أراد رب العزة أن يعلن بركته النامية ورحمته الهامية اختار فى كتابه العزيز عبارتين مبينتين:

الأولى تتحدث عن البركة فى مظهر القدرة التى تجمع أزمة الكون فى يده فيستحيل أن يغلب يوما على أمره أو يشركه أحد فى ملكه، وفى هذا المعنى يقول جل شأنه:
«تبارك الذى بيده الملك وهو على كل شئ قدير» . «تبارك: 1»

والثانية : تتحدث عن البركة فى صورة الرجل الذى حمل هداه الأخير إلى عباده وتفجرت ينابيع الحكمة من بيانه وسيرته، فكان القرآن الذى يتلوه مشرق شعاع لا ينطفيء، يهتدى على سناه أهل القارات الخمس مابقى الليل والنهار.
وفى هذا المعنى يقول جل شأنه:
«تبارك الذى نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا» . «الفرقان ـ 10».

إن الإنسان المبعوث رحمة للعالمين أشعل الأمة التى ظهر فى ربوعها فانطلقت لأول مرة من بدء الخليقة تحمل للناس الخير والعدل، واستطاعت أن تؤدب جبابرة الأرض الذين، عاثوا فى أرجائها فسادا وظنوا أن كبرياءهم لن يخدشه أحد!

حتى جاء الرجال الذين رباهم محمد فقوموا صعر المعتدين، وأعزوا جانب المستضعفين، وكم تحتاج الدنيا فى يوم الناس هذا إلى هذا الطراز من الرجال ليحموا الحق الذليل، وينقذوا التوحيد المهان، ويقروا الأخوة الإنسانية المنكورة، وينزلوا البيض إلى منزلة السود، أو يرفعوا السود إلى منزلة البيض.

لكن السقطة الرهيبة للعرب المعاصرين أنهم ذاهلون عن المكانة التى منحهم محمد إياها، هابطون عن المستوى الذى شدهم إليه، وفيهم من يفتح فمه ليقول : إن العرب يمكن أن يكونوا شيئا من غير محمد!

قّبح الله وجهك من قائل أفاك..

ومن أيام جاءنى نفر من العامة متنازعون على إدارة مسجد : بعضهم يريد أن يقول فى الآذان: أشهد أن «سيدنا» محمدا رسول الله».
والآخر يريد الاكتفاء بالوارد فلا يذكر لفظ: «سيدنا» لأنه مبتدع.

ونظرت إلى أعراض المرض الذى يفتك بالأمة المعتلة، وقلت لهم: إن محترفى الإفك من المبشرين والمستشرقين ملأوا أقطار العالم بالافتراء على محمد وشخصه ودينه، ورسموا له صورة مشوهة فى أذهان الكثيرين، وأنتم هنا لاتزالون فى هذا الغباء.

شاهد أيضاً

الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله عز وجل

عدد المشاهدات = 6783 ✍️ صفاء مكرم الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.