في طفولتي بدأت القراءة الحرة من سن 10 سنوات وكان أول ما قرأت عصا الحكيم ثم مزرعة الحيوانات من الأدب المترجم. وكان ذلك بداية الخيط الذي جذبني تجاه الأدب المترجم أكثر من غيره، مما جعلني أحلم وقتها أن أقرأ هذه الروايات بلغتها. ووجدت نفسي مهووسة بتعلم اللغة الإنجليزية رغم أنني كنت طالبة في مدارس الحكومة المجانية وكانت دراسة اللغة الانجليزية وقتها تبدأ من الصف الأول الاعدادي.
فقررت أن أعلم نفسي بنفسي وانا في الصف الخامس الابتدائي ونهاية المرحلة الابتدائية.
حصلت على كتب اللغة الانجليزية وكنت أستخدم القاموس حتى صرت أعرف كثير من أساسيات اللغة قبل أن التحق بالاعدادية. ظل تفوقي في اللغة أمرا محيرا لكل من عرفوني وحتى زملاءي واساتذتي إلى أن التحقت بكلية الآداب قسم اللغة الانجليزية وصرت أدرس الأدب الإنجليزي بلغته. كانت لي محاولات في الفرنسية والألمانية لم تكتمل رغم أني قطعت شوطا طويلا فيهما، ولكنني سأكملها قريبا دون شك.
لم تعد القراءة تجذبني منذ سنوات طويلة بدأت حين صارت اللغة مهنتي وليست موهبتي. ومنذ عام توقفت عن العمل ووجدت في نفسي رغبة قوية في الكتابة. كان الشعر هوايتي الأولى ثم بدأت أختبر نفسي في السرد.
وأعادتني الكتابة إلى القراءة من جديد، ولكن هذه المرة لم أسع لقراءة مزيد من الأدب بل جذبتني الكتب الفلسفية والنظريات التي تفسر حركة الكون. ثم صرت فجأة متيمة بالقرآن الذي وجدت فيه إجابة لكل سؤال رغم أنه الكتاب الوحيد الذي كان دوما أمامي في كل مراحل عمري ولم أهتم بقراءته طوال هذه السنوات التي لم يتبق منها بقدر ما انقضى.
يعيش الإنسان طويلا يبحث عن شيء بقوة إلى أن ييأس من حصوله عليه ثم عندها فقط يدرك أنه كان في متناول يده طوال الوقت دون أن يلحظ.
أتذكر الآن كيف أن جميع مدرسي التربية الاسلامية الذين مررت بهم على مدي جميع مراحلي التعليمية تسببوا بمنتهى الاحترافية في نفورنا من الدين وحفظ القرآن الذي كان يسبب لنا الرعب عندما يحين موعد "التسميع".
لو أنني وجدت منهم من علمني أن أحفظ القرآن على أنه قصة لها بداية ونهاية وحبكة وبها لحظة تنوير وثواب وعقاب وقدر وخوارق، ربما كنت وجدت الأجوبة قبل الأسئلة من زمن.