السبت , 27 أبريل 2024
السلطان قابوس بن سعيد

بناء البشر قبل الحجر في سلطنة عُمان وتعميق المواطنة ومشاركة الشباب

= 1625


مسقط، القاهرة – وكالات

ستظل قضايا الشباب ومشاركتها في بناء مسيرة الأوطان من القضايا الاستراتيجية المهمة، ففي الوقت الذي أكد فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي على أهمية مشاركة الشباب في استكمال خريطة الطريق نحو المستقبل من خلال المشاركة الإيجابية والفعالة في الانتخابات البرلمانية المصرية والتي انطلقت جولتها الأولي يومي 18 و19 أكتوبر الجاري، تؤكد سلطنة عُمان على أهمية نفس الدور الشبابي في استكمال مسيرة الشورى والديمقراطية والمشاركة السياسية في انتخابات مجلس الشورى للفترة الثامنة "2015 ـ 2019" والتي ستنطلق في الخامس والعشرين من أكتوبر الجاري.

وإذا كان بناء المواطن المصري وتعميق المواطنة من أولويات وفكر القيادة السياسية على مر العصور وموغلة في القدم، فإن التجربة العُمانية خلال مسيرتها التي امتدت نحو أربعة عقود وخمس سنوات من العمل أثبتت أن المواطن العُماني كان هو جوهر العملية السياسية من حيث بنائها واستمرارها بوتيرة متدرجة وسلمية تصب في إطار كُلي موجه نحو البناء والتنمية.

والمتابع للشأن السياسي العُماني يدرك أن النظام السياسي العُماني انطلق من واقع اجتماعي واقتصادي معين ساهم في تشكيله عوامل جغرافية وتاريخية واستراتيجية منذ تولى السلطان قابوس بن سعيد سلطان عُمان الحكم في عام 1970، وكان على النظام كي يرسخ أسس وقواعد الدولة العصرية الحديثة مواجهة نوعين من التحديات وهما: السعي إلى تأسيس دعائم الاستقرار الداخلي المبنى على قاعدة الاندماج والانصهار الوطني في إطار من التكامل والوحدة وقد أثبتت الممارسات السياسية للنظام القدرة على ذلك من خلال التأكيد على تعميق فكرة المواطنة ومشاركة جميع فئات المجتمع في بناء النهضة العُمانية الحديثة.

أما التحدي الآخر فيتمثل في بناء نظام سياسي حديث بصورة متدرجة وسلمية، بحيث يتمكن من استيعاب الشرائح الجديدة من الشباب التي أفرزتها عملية التحديث والتطور مع الحفاظ على الخصوصية الثقافية للمجتمع العُماني والتمسك بتقاليد وثوابت المجتمع التي تدعم الأمن والاستقرار انطلاقًا لتحقيق أهداف وتطلعات هي في غاية الأهمية.

الانسان والمواطنة أسس للبناء

والواقع أن الأسرة والقبيلة كانتا دعامتين أساسيتين لتكوين المجتمع العُماني عبر التاريخ، وحيث بدأت الدولة الحديثة بالتشكل في عام 1970 فقد استفادت من الدعامتين لإقامة صرح الدولة الحديثة وقد استطاع السلطان قابوس منذ توليه مهام الحكم في سلطنة عُمان أن يؤكد على حقيقة أن الإنسان هو صانع النهضة ولابد من تأكيد روح المواطنة لدية وقد ارتكزت الرؤية العُمانية في ذلك على إرادة المجتمع العُماني وتقاليده الموروثة التي تتجلى في الرضا الاجتماعي العام من جهة، وعلى روح العصر ومتطلبات ومنطق التاريخ المتطور على أسس علمية حديثة من جهة أخرى.

وقد جاءت النصوص الدستورية من النظام الأساسي للدولة مؤكدة على مفهوم الوحدة الوطنية. ففي المادة الثانية عشرة من الباب الثاني من النظام الأساسي أن "العدل والمساواة وتكافؤ الفرص بين العُمانيين دعامات للمجتمع تكفلها الدولة" و "التعاضد والتراحم صلة وثقى بين المواطنين وتعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدى للفرقة أو الفتنة أو المساس بالوحدة الوطنية". وكانت أول خطوة للسلطان قابوس، أنه وجه نداء لكل عُمانى بالعودة إلى وطنه وعقد الولاء للوطن واختياراته النهضوية. وفي هذا السياق أعلن عن عزم الدولة على إعادة الجنسية لمن فقد جنسيته باعتبارها أول خطوة للتمتع بصفة المواطنة.

وقد تضمن هذا النداء قضايا هامة منها: الدعوة إلى صفوف الوحدة في سلطنة عُمان وهو ما يشير إلى أن مفهوم المواطنة مرتبط بتلك الوحدة وبخطط التنمية الشاملة، وأن يكون من أهداف العودة الولاء للبلاد لبدء مرحلة جديدة من تاريخها واختياراتها الجديدة في النهضة والتقدم.

وفي هذا السياق نصت المادة (15) من النظام الأساسي للدولة على "الجنسية ينظمها القانون ولا يجوز إسقاطها أو سحبها إلا في حدود القانون" والمادة (16) " لا يجوز إبعاد المواطنين أو نفيهم أو منعهم من العودة إلى السلطنة ".

وقد تجذرت فكرة المواطنة والمواطن من خلال تأكيد السلطان قابوس عليها في خطبة السنوية في العيد الوطني للبلاد وهو الثامن عشر من نوفمبر من كل عام، ففي خطابه في 18/11/1995 أعلن أن النجاح في توحيد المجتمع وإشاعة روح المواطنة بين أبنائه هو السبيل لمواصلة المسيرة نحو آفاق المستقبل وحذر من قضايا تفتيت الوحدة الوطنية ويتطلب ذلك من المواطنين: الابتعاد عن الرياح الغربية والمفاهيم المستوردة. والابتعاد عن كل ما من شأنه انقسام المجتمع إلى شيع وأحزاب. وتعميق العلاقات الاجتماعية بين المواطنين . وأن المواطنة تنافي ارتكاب الجرائم.

وجاءت المادة(38) من النظام الأساسي لتؤكد هذه الحقيقة حيث تنص على "الحفاظ على الوحدة ا لوطنية وصيانة أسرار الدولة واجب على كل مواطن"، وكانت المادة (17) نصت على "المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي".

كما كفلت مواد الدستور في الباب الثالث "الحقوق والواجبات العامة" حريات القيام بالشعائر الدينية طبقًا للعادات المرعية مصونة على ألا يخل ذلك بالنظام العام، وحرية الرأي والتعبير عنه بالقول والكتابة وسائر وسائل التعبير مكفولة في حدود القانون، وحرية الاجتماع وحق تكوين الجمعيات وكل ذلك في إطار القانون.

إجمالي القول أن  الخطاب السياسي العُماني أكد على أهمية تعميق فكرة المواطنة لبناء النهضة والتنمية ودعّمها في ذلك النصوص القانونية في النظام الأساسي للدولة.

ولما كان المجتمع العُماني مجتمع حديث النشأة والتكوين فقد كان الخطاب السياسي موجه بصفة خاصة للشباب على أساس أنهم النواة الأساسية في استمرار مسيرة التنمية والتي بدأت مع عام 1970.

وإلى جانب الخطاب السياسي العُماني والنصوص القانونية، فإن المرجعية الدينية الإسلامية الوسطية شكلت العامل الأساسي في خلق هذه الهوية الوطنية العُمانية حيث نصت المادتين: الأولى والثانية من النظام الأساسي "سلطنة عُمان دولة عربية إسلامية" و "دين الدولة الإسلام والشريعة الإسلامية هي أساس التشريع".

رؤية الدولة للشباب

ونخلص مما سبق إلى أن السياسة العامة لسلطنة عُمان في إطار رؤيتها للشباب ارتكزت على المبادئ التالية: تعميق فكرة المواطنة باعتبارها المحرك الأساسي لاستمرار عملية التنمية الشاملة. وتحفيز الشباب على الانخراط في كافة مؤسسات الدولة على أساس أن القانون أو النظام الأساسي للدولة يكفل لكل المواطنين ذلك الحق بدون تمييز. وأن التنمية ليست غاية في حد ذاتها، وإنما هي من أجل بناء الإنسان الذي هو أداتها وصانعها، ومن ثم ينبغي ألا تتوقف التنمية عند مفهوم تحقيق الثروة وبناء الاقتصاد، بل عليها أن تتعدى ذلك إلى تحقيق تقدم الإنسان، وإيجاد المواطن القادر على الإسهام بجدارة ووعى في تشييد صرح الوطن.

وعدم الافتخار بالماضي والوقوف عند منجزات القدماء والحفاظ على التراث لأن التراث لا يعنى فقط القلاع والحصون ولكن أيضًا الحفاظ على الموروث المعنوي من عادات وتقاليد وعلوم وآداب وفنون وشيوع روح الابتكار وضرورة الأخذ بالنافع المفيد من الفكر المتطور والعلم المتقدم والفن المتحضر والعمل المفيد المثمر. وهو ما يسمى بالمزاوجة بين التراث العريق ومتطلبات العصر الحديث.

 

شاهد أيضاً

الاثنين القادم .. الشورى العُماني يناقش مشروع قانون الإعلام والسياسة الإعلامية

عدد المشاهدات = 9134 مسقط، وكالات: يستضيف مجلس الشورى العُماني الاثنين المقبل الدكتور عبدالله بن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.