حياتي اليوم صحيفة إلكترونية يومية
إن للإبداع و الفن مواسم لا يمكنك أبدا ان تنتج كل يوم عملا جديدا و الا سيتحول الأمر إلى عمل روتينى و ليس عمل فنى ،إن الأمر مرتبط ارتباطًا وثيقًا بما ينتجه عقلك من مئات الأفكارو الأحلام، أنه اشبه بالنهر الذى لا تستطيع ابدا إيقافه ،و لكن عليك إنتظار اللحظات التى يتخذ فيها العمل الإبداعى شكله الأخير فى النضج و الخروج بأفضل صورة ممكنة و هناك فترات تمرعلى كل مُبدع لا يستطيع فيها إنتاج اى شئ و أن كل هذا الفيضان من الأفكار لا يستطيع الخروج و يتوقف لبعض الوقت يبحث عن مخرج فى وقت ما ملائم يستطيع ان يعبر عن نفسه فيه.
لا يمكن لأحد إختيار اللحظة و لا التنبؤ بها و لكنها ستحدث تلقائيا بدون جهد أو عناء وهى أشبه بلحظات الولادة المٌتعسرة بعض الشئ و لكنها تجنى ثمارها و تكون صالحة و مزدهرة ،تكمن صعوبة الامر فى حالات التناقض الكبيرة التى يعيشها اى مبدع فى اى مجال كان، و يسبق ذلك سلسلة من العمليات التى تحتوى على تركيز تام و تحضير جيد وأفكار متشابكة و أحداث مٌحفزة و اشخاص ملهمين و كل هذا لمصلحة الفنان حتى يعمل على ربط الاشياء و تحليلها حتى تخرج افكاره للنور فلا يوجد شئ عبثى.
يتخذ الأمر أحيانا سنوات من الترابط الذهنى و التكوين الابداعى و الخيالى ،لأن عقول المبدعين احيانا تتخذ طريقة مختلفة فى التفكير عن الأناس العاديون، تماما كموسم الحصاد بعد الزراعة و إرتواء الارض لشهور حتى تجنى المحصول و لابد من إستثمار فترة الجفاف لأنها ستكون سببا من اسباب استكمال الابداع، فحين يقابلك الإنغلاق المؤقت او ما يسمى بالبلوك و هو أمر لا إرادى ولا يمكن لأحد ان يتحكم فيه، عليك مواصلة كل ما يدعم عملك حتى يمكنك إنتاج المزيد من الافكار التى تكون صالحة فى المستقبل لفن جديد لا تتوقف عن التجربة و القراءة و الاطلاع و السؤال و التطوير الذاتى والمشاهدة والدراسة المستمرة ،و ان تظل فى بيئة تمنحك المزيد من الشحن الذاتى و الايجابية حتى لا تفقد حلقة الوصل كلها لأنك لا تدرى بكل بساطة، متى سينفجر فيك الابداع مرة اّخرى فهو يشبه عملية الوحى الذى يأتى فجاءة و دون سابق إنذار و ايضا يمكنه ان ينقطع فجاءة، وهذا ما أكده الكاتب الكبير أنيس منصور حين قال فى كتابه (لعل الموت ينسانا) مقولة هامة جدا ” لابد من تثقيف يديك و عينيك و اذنيك طويلا و كثيرا و عميقا و لا تقلق فسوف تمتلئ نفسك أو عقلك أو قلبك ..إنه شئ ما فى داخلك لا أعرف مكانه سوف يمتلئ و سوف يفيض فى أصابعك و فى حنجرتك و من أذنيك و عينيك و يقظتك و أحلامك و سوف يستغرقكك كل ذلك و سوف تكون فى داخلك فى مكان ما فى وقت ما لسبب ما قوة لا تعرف ما هى تستولى عليك و تجعلك لسان حالها و متحدثا رسميا”.
وهذا هو السر بالاضافة إلى المثابرة و ستفعل كل ما تريد ،ان تكرار المحاولات ايضا هو السر وراء نجاحك و هو الامر الذى لن يتحقق من المرة الاولى ربما من العاشرة او من المرة المئة و لا يمكنك ان تنتج شئ دون ان تتشبع به اولا و هى مهمتك الاولى و الاخيرة و المستمرة و دون فعل ذلك سيأتى وقت فيه وتنضب تلك المواهب تماما كالمحصول الذى لا يروى و الارض التى لا يهتم احدا بها فتبور و تموت.
إن الابداع عملية متجددة و متطورة و هى معادلة صعبة ان تحافظ على ابداعك و ان تقوم كل يوم بشئ جديد، و على كل مبدع ان يسأل نفسه ما الجديد الذى سأقدمه فى المرات القادمة ما الذى يمكننى إضافته حتى لا اكون مجرد نسخة مكررة من مئات المبدعين المتشابهين ،و هى لو تعلم واحدة من مهام المبدع الصعبة لكنها تحقق تميزه دائما و تجعله فى الصدارة.
ان استيعاب الامر يتطلب بعض الوقت و التأكد من كونك مبدعا حقيقيا و هذا لا يمكنك معرفته الا بعد اختبار نفسك مئات المرات و مراقبة شعورك جيدا بعد كل مرة تفعل فيها شئ ،ان كنت ترى ان الفن هو الذى يتدفق منك و يفرض نفسه عليك و حينما تحاول الهروب منه تجده يلاحقك فى كل لحظة و لا تستطيع الابتعاد عنه و حين تأتى اللحظة المنشودة و تجد نفسك تلبى النداء بكل طواعية ،ان تشعر دائما ان لديك ما تفعله او تقوله و ان يهدأ عقلك و قلبك و تعم فيه الراحة و السكون بعد ان تخرج من داخلك شيئا ما حينها ستعلم انك شخص موهوب و فريد من نوعك وانك واحد من اولئك القلائل الذين اختارهم الله ووضع فيهم سر من اسراره.
حينما تدرك ذلك عليك التمسك بما منحك الله اياه و لأنك ستسأل عنه يوما ما فيما استثمرته و فيما نفعت به غيرك ،فحين يمنحك الله هبة من هباته عليك ان تؤدى شكر نعمته عليك بالعمل عليها و استثمارها جيدا و العمل عليها و على الاهتمام بها و تطويرها و انتظر دائما موسمك الخاص فكل شخص له موسم خاص به فلا تتعجل شئ و لا تقارن نفسك بأى حد فلكل شخص مبدع بصمته الخاصة التى وهبها الله له دون غيره ولا يتشابه احد فيها مع احد فهى سبب وجوده و تأثيره.
