الجمعة , 26 أبريل 2024

د. إلهام الدسوقي تكتب عن: التفاصيل البسيطة..!

= 2307

عندما كنت طفلة كان لي حلم على قدر سني الصغير وأتمني أن تجري الأيام سريعاً لتنفيذه ولكن كانت تنغص على حلمي التفاصيل البسيطة التي تقف حائلاً أمامي فاليوم يسير مع عائلتي بين أخوتي وأمي وأبي متحدثين دائما، واللعب مع أصدقائي الصغار اضيع معهم أوقاتي بشوق اليهم. ولكم ندمت عليها وتمنيت أن يكون مع جهاز التحكم في الزمن فأتخطي هذه التفاصيل البسيطة وأجعل الأيام تسير سريعاً لتحقيق حلمي.

ولقد كان ما تمنيت وتحقق حلمي ولكن بعد أن أخذت السنوات والتفاصيل البسيطة خلالها الكثير. وما زلت أحتفل بتحقيق حلمي حتى ظهر حلمي التالي ولاح في الأفق معلناً عن امنية جديدة أسعى لتحقيقها واجتهدت للوصول اليها ولكن كانت التفاصيل البسيطة كالجلوس مع العائلة ومحادثة الاصدقاء والخروج للمتنزهات وممارسة الأنشطة أكبر عائق. أعتبرتها مضيعة للوقت وتمنيت مرة أخرى أن يكون معي جهاز التحكم في الزمن فيسرع بي عبر السنوات ماراً على التفاصيل البسيطة في حياتي دون أن يلتفت اليها ويأخذ من العمر سنوات لا أشعر بها لأصل إلى حلمي.

حتى تحقق حلمي بعد سنوات من التفاصيل البسيطة في الحياة فسارعت إلى الاحتفال به متناسية آلامي على خسارة العمر في التفاصيل البسيطة التي أضاعت الكثير للوصول لحلمي. ولاح أمامي الحلم التالي فتكرر نفس السيناريو لتضيع أوقاتي الثمينة بين الحديث مع الأولاد والعمل والزيارات والمجاملات والتليفونات التي لا تنتهي ومواقع التواصل التي تسرق الوقت وتسحبني إلى التفاهات بعيداً عن حلمي وهذه المرة اتخذت قراري بألا تكون التفاصيل البسيطة عائقا أمامي فبعدت عن الأصدقاء والمجاملات التي لا طائل منها مسرعة إلى تحقيق حلمي وكم كنت سعيدة بتحقيقه هذه المرة فقد وصلت إلى تحقيق كل أحلامي وارتاحت نفسي.

ونظرت إلى ما حققت في حياتي فلم أجد في ذاكرتي إلا جلسات العائلة وأنا صغيرة تملؤها الضحكات المتعالية وتجمعات الأصدقاء المستمرة بالساعات والتي كانت تشق صمت الليل بحكايتها المثيرة، وألعابي الصغيرة التي كانت ملاذي عندما أحس الملل، والمتنزهات التي كانت أحلى الأوقات بين ظلالها الوفيرة، والأنشطة المختلفة في النادي العريق وما لها من أثر على نفسي، ومراعاتي لأولادي وما كان لها من أثر في محبتهم لي، وألبوم الصور المسجل لخروجاتي مع الأهل والأصدقاء والمعارف، والعمل واحتفالاتي بما أنجزت، ولم أجد في ذاكرتي أي من هذه الانجازات فقد تضاءلت أمام التفاصيل التي كنت أعتقد أنها بسيطة واكتشفت أخيراً أنها الحياة التي نريدها دائماً.

هذا ما نعيشه اليوم جميعاً، نتمني أن يكون معنا جهاز التحكم في الزمن لنسرع بأيامنا إلى ما نريد، متي يأتي الشهر القادم، متى تهل علينا السنة الجديدة، متي يبدأ عامنا الدراسي القادم، متى يأتي الشتاء ببرودته المعتادة، متي يتغير الوضع إلى الأفضل. نأمل جميعاً أن يجري الزمن سريعاً لتحقيق ما نراه جميلاً متناسين جميعاً أن الجمال كل الجمال في التفاصيل البسيطة.

اليوم أتمني بالفعل أن يكون معي جهاز التحكم في الزمن ولكن هذه المرة ليس للهروب عبر السنوات ولكن للرجوع إلى الطفولة للعيش بسعادة مع كل التفاصيل البسيطة.

—————

* خبير السلوك المهني.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 3907 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.