الإثنين , 29 أبريل 2024

بسمة عبدالقادر تكتب: مصيدة الأنا

= 1684

Basma Abdul Kader - Copy


في معترك الحياة اليومية الصعبة التي يحياها المصري حاملا أسفارا من الهموم والضغوط المستمرة التي تنمو يوما بعد يوم ، يكابد معارك ضارية كل ساعة في بيته وفي عمله وحتى في الطرقات .. أصبحت الحياة أثقل من أن يتحملها مما أودى به إلى السقوط في مصيدة الأنا.

عندما يستيقظ كل صباح لخوض أولى معاركه مع الزحام المروري يستل سيفه من زاد النويا والتأهب لأي مقاومة يمكن أن تحال إلى هجوم في كثير من الأحيان فتراه يتصارع بسيارته بين صفوف العربات وبين منحنى وآخر وزنقة ومنحدر ، أو تراه يتعارك للحاق باتوبيس النقل العام أو عربات المترو يصطدم بهذا ويدفع ذاك ، المهم أن ينتصر بجداره دون الإلتفات لمن سقط أو تأخر ، ناهيك عن مشاركة التدافع مع الجنس الآخر وما يسفر عنه المشهد من احتكاكات وتحرش ..

كلها غدت أمور عادية اعتادها الناس لبلوغ مبتغاهم في اللحاق بموعد العمل ، وهناك يخوض المحارب معركته الثانية مع ضغوط العمل الروتيني ومخالطة الزملاء الحقودين والسوداويين والمتكاسلين وغيرهم ممن لا يستحقون الرحمة او الشفقة من ناحيته ، هكذا يراهم أعباء إضافية تقتطع من طاقته الإيجابيه وتسلبه شعوره بالإنجاز والراحة ، بالنسبة له ما هم إلا أعداء يتصيدون أخطاءه ولا يقدرون ما يحمله على عاتقه من مسؤوليات  ، فتؤول العلاقات إلى مبارزات كراهية يتناولها الزملاء خلسة ، فينتقدون بعضهم البعض ويحقرون من إنجاز الآخر مهما بلغت مهارته ، يتغنون القصائد بأخطاء بعضهم البعض ويدسون المكائد فيما بينهم ، يختلقون آلاف المبررات لأنفسهم للإضرار ببعضهم.

 وإن  تطرقنا للدافع سنعود لمصيدة الأنا ، فالآخرين بمساوئهم لا يستحقون إلا أن يكونوا في الخلف وأنا في الأمام ، هي سيكولوجية الأنا أن انظر إلى محاسني وأصوب أنظاري على عيوب الآخرين وأن أجعل من نفسي الضحية التي لها الحق في الانتقام لنفسها من غرمائها ، هؤلاء الغرماء الذين ينهلون من نفس الماعون ويعانون من نفس الضغوط ونفس المصير ، ينغمسون في مشاكل الأبناء وفروض الواجبات ، يكافحون جميعهم لأجل التعايش والارتقاء بمستواهم المادي لخلق حياة كريمة مستقرة ، ولكن في وسط صراعاتهم لا يغفل كل فرد منهم أن يدهس الآخر لبلوغ مآربه التي يراها حقوقا مشروعة.

 وإن استعان بوسائل لا تؤمن بحقوق الآخر. فلا يلبث  يغترف من بئر الأنا حتى يصم آذانه ويعمي أبصاره عن معاناة الآخرين ويصوب جهوده لنفسه وعائلته دون غيرها تلك التي يحيا في كينونتها وتدميه أوجاعها ، فلم سيهتم بأوجاع أناس خارج حيز مملكته؟! ولم ينهك قواه ويهدر وقته في تقديم تضحيات إضافية تراحما أو إشفاقا على آخرين يواجهون مصاعب لا يعرف كنهها؟!

هكذا سلبته ضغوط الحياة سلامه النفسي في الركض وراء الماديات ، واستنكار مشاعر الرحمة والتسامح والصبر والتي يمكنها أن تكفل له أمانا متبادلا مع أقرانه ممن يحذون حذوه في معاملات اجتماعية تحترم الإنسانية.

————-
كاتبة وشاعرة مصرية.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 8155 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.