السبت , 18 مايو 2024

هبه عمر تكتب: ولايزال البحث جاريا!

= 1655

Heba Omar


 أكثر مايؤرق بال كل أب هو البحث عن شقة مناسبة لابنه، ووصف " مناسبة " يعني صلاحيتها اقتصاديا واجتماعيا وإنسانيا، وقد تابعت عن قرب محاولات زميل لي لتوفير شقة لنجله الوحيد لا تتجاوز مساحتها 90 مترا، في أي مدينة جديدة حول القاهرة، وكان يصطدم دائما بعجزه عن سداد المستحقات المالية المطلوبة – رغم أنه يشغل منصبا شبه مرموق – ولا يتعدي قوام أسرته أربعة أفراد، ولكنه عجز عن تحقيق مطلبه سواء فيما تطرحه الدولة من "إسكان محدودي الدخل " أو فيما يقدمه القطاع الخاص، وكثيرا ما كان يسألني لماذا لا يوجد إسكان بإيجار مناسب لمن هم مثلي لا يستوجب سداده إنفاق كل دخلي لأبقي خالي الوفاض بعدها؟!

ورغم أن أزمة السكن التي نعاني منها في مصر واضحة، إلا أن غرابتها واضحة أيضا، لأن هناك عددا كبيرا من الوحدات السكنية غير المستغلة والتي تصل إلي 28% من عدد الوحدات السكنية في محافظة القاهرة، و34% في محافظة الجيزة، و35% في محافظة الإسكندرية!

و في دراسة مهمة لمبادرة "تضامن " المعنية بالعمران، أرجعت سبب ذلك إلي غياب القوانين وأنظمة الضرائب العقارية الفعالة التي يمكن أن تحسن من استغلال الملكيات العقارية الشاغرة وترفع من كفاءة استخدام الأصول العقارية الخالية والمجمدة، وهي كلها أمور تنصب تحت مفهوم “الوظيفة الاجتماعية للملكية”، فلا توجد دولة يمكنها الوفاء بصورة مباشرة باحتياجات كافة مواطنيها من السكن، فمثلا في مصر لا يغطي عدد المساكن التي توفرها الدولة بصورة مباشرة من خلال كافة برامجها للإسكان أكثر من 15% من الاحتياج السنوي الفعلي للسكن، وبالتالي يجب أن ينصب جهد الدولة من خلال برامجها المباشرة علي توفير الموارد اللازمة لتسكين الفئات الأكثر احتياجا بالمجتمع، ودعم المهمشين، ومن لا مأوي لهم، مع حمايتهم من الإخلاء القسري، وضمان الحد الأدني من مستويات الجودة بالمسكن.

 وفي نفس الوقت من واجب الدولة أن توفر للقطاع الخاص والأفراد والجماعات المنظمة البيئة المؤسسية والموارد اللازمة لإنتاج المسكن من أدوات قانونية وتمويلية وإدارية، ودعم فني، وأراض وخامات بسعر مناسب يتلاءم مع الحد الأدني لدخل المواطنين. لأن إتاحة الأرض اللازمة للبناء هي أحد أشد القضايا تعقيداً وإلحاحاً فيما يتعلق بقضية السكن في مصر، وسياسات الدولة الراهنة في تسعير الأرض، وآليات بيعها، وتقسيمها إلي قطع أراضي بمساحات كبيرة، كلها سياسات تحرم الأغلبية العظمي من المواطنين من الحصول علي الأرض بسعر مناسب، وطرق دفع ملائمة، وقد يصادف بعض المواطنين الحظ في الحصول علي وحدة إسكان حكومي توفرها الدولة في التجمعات العمرانية الجديدة والتي يقع معظمها في مناطق بعيدة عن مراكز المدن.

 ولكن علي الجانب الآخر، يدفع ارتفاع تكلفة الانتقال بصورة يومية إلي مواقع العمل، وتكاليف المعيشة، وقلة فرص العمل في المدن العمرانية الجديدة معظم المواطنين إلي البحث عن بدائل أخري مناسبة للعيش، ونتيجة لذلك، يعيش اليوم نسبة كبيرة من سكان القاهرة الكبري في مناطق عمران غير رسمي أنتجوها بأنفسهم عبر العقود الماضية بسبب عدم وجود خيارات أخري يقدمها السوق الرسمي للسكن بأسعار مناسبة وفي مواقع ملائمة قريبة من فرص العمل والخدمات، وتؤكد الدراسة أن حوالي 17% من هذا النوع من الاسكان يقع علي أراض مملوكة للدولة !

وللحديث بقية للاجابة عن سؤال لماذا لا توجد شقة بإيجار مناسب في إسكان رسمي مخطط يمكنها استيعاب حاجة الشباب الباحث عن سكن "مناسب" لا يستنفذ دخله المتواضع، وحتي هذا الحين "لا يزال البحث جاريا".  

—————
hebaomar55@gmail.com

شاهد أيضاً

إنجى عمار تكتب: التحلي والتخلي

عدد المشاهدات = 1668 نقطة واحدة فارقة كالحجر الصوان ارتطم بها رأسنا لنعيد اكتشاف أنفسنا. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.