السبت , 18 مايو 2024

هبة عمر تكتب: الربيــــع المؤجـــــــل..!

= 1210

Heba Omar


تغني الشعراء كثيرا بالربيع الذي كان يتميز بإعتدال جوه وتفتح أزهاره، فهو يأتي بعد فصل الشتاء المحمل برياحه الباردة وغيومه التي تجعل الرؤية شديدة الصعوبة، وقبل فصل الصيف الذي يخنق الأنفاس برطوبته وحرارة جوه ، وقال فيه أحد أشهر شعراء العصر العباسي "البحتري":
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا ، من الحسن حتي كاد أن يتكلما… ولكن ربيعنا لم يعد يختال ضاحكا ، فقد أصبح محملا بكل العبر ، و هو متهم بالثورة علي الشتاء البارد لأنه تمرد علي قيوده ورفض قبول رعونة رياحه وعواصفه، ومتهم بأنه مدعوم من أجواء أخري أشد برودة لخلق مؤامرة علي الجو  البديع الذي كنا نتمتع به دونا عن غيرنا ، ومتهم بأنه خلق فوضي لم تكن موجودة ولم يكن أحد يشعر بها، وتكالبت عليه كل الفصول تطالب بمحوه من خريطة الزمن!

أستعيد ذكري ٢٥ يناير التي كانت إحدي علامات ما تم تسميته "الربيع العربي"، بقراءة كل ما كتب عنها، وأسترجع أحداثا عايشتها عن قرب، وأحلاما شاركت في انتظارها، ومخاوف من شرود الهدف وضبابية الرؤية وسيطرة من يصعب الوثوق بهم، ويدهشني حتي الآن ، بعد مرور خمسة أعوام، حجم الاستغلال والتضليل الذي أحاط بها من كل حدب وصوب، وقدر النفاق الذي بذله الجميع لتقديسها والتمسح بها وادعاء الفخر بها، قبل أن تتحول الي عار يتملصون منه، ويتبارون في التفاخر بتمزيق أوصالها وتشويه معالمها وإلغاء أهدافها.

لم أجد فيما قرأت محاولات جادة ومتعمقة ترصد حقائق الأسباب التي أدت الي الثورة، ولا كيف سارت مسيرتها، ولا كيف تدخلت أطراف عديدة في محاولات انتزاعها وجرها الي طريق آخر، ولم أجد تأريخا منصفا غير منحاز لهذا الطرف أو ذاك يحلل ماجري منذ ٢٥ يناير حتي ١١ فبراير يرشدنا الي مواطن الخطأ وكيف حدثت ومن تسبب في حالة الفوضي التي أعقبتها، ولكن تبقي عدة حقائق حول ثورة يناير وما قبلها ومابعدها، لا يحق لأي عاقل منصف إغفالها، أولها حالة الجمود التي حاصرت مصر بأكملها ، وجعلت زمام امورها في يد "شلة" محدودة ومقربة،  وحرمت أجيالا عديدة من مجرد التمني بأن تتغير الأحوال ويصبح المجال متاحا أمامها لتؤدي دورا أو تغير فكرا أو تصلح أمرا وهو ما جعل  اليأس يتسرب إلي النفوس..

 وثانيها هو سيطرة الفكر الأمني للنظام علي كل ماعداه، واقتصار الشعور بالحمايه والأمان علي السلطة وتابعيها والملتصقين بها، وثالثها هو زيادة وطأة الفساد الذي تغلغل في شرايين الحياة دون وقفة أو محاسبته أو محاولة السيطرة عليه، وانعكست آثاره علي معيشة الناس وتفاصيل حياتهم ومنعتهم من الشعور بعدالة التوازن بين الحقوق والواجبات، وتراجع الثقافة الاجتماعية  التي تري العمل الجيد مقياسا للتقدم والتطور لتحتل الواسطة والمحسوبية والقدرة علي الإرضاء والمداهنة المكان الأبرز في العقل الجمعي، و تتراجع قدرة الطبقة الوسطي في المجتمع علي الثبات في موقعها، دون الهبوط الي الأسفل مع نقص مستمر في مواردها وضغط مستمر لتلبية الحد الأدني من إحتياجاتها، وربما كانت الطبقة الوسطي هي الأكثر انحيازا للثورة والأكثر مشاركة فيها لهذه الأسباب، وربما كانت أيضا الأكثر انسحابا منها حين وجدت أنها ظلت علي حالها، وأن هذا الربيع لم يعد يختال ضاحكا من الحسن في وجهها، فما زال ربيعها مؤجلا!

من يركبون موجات الهجوم علي ثورة يناير و التنكيل بها لم يدركوا بعد أنها صنعت تغييرا  قاد الي ثورة يونيو،  وأن النفاق لهذه الثورة أو تلك هو مراهقة سياسية تعطل نضج مسار الوطن، وتحرمه من استثمار طاقته في بناء مستقبل أفضل يضمن عيش كريم وحرية مصونة وعدالة اجتماعية يشعر بها الناس، وانتظار هذا الربيع المؤجل حلم مشروع ولو كره المنافقون.

————

hebaomar55@gmail.com

شاهد أيضاً

إنجى عمار تكتب: التحلي والتخلي

عدد المشاهدات = 1815 نقطة واحدة فارقة كالحجر الصوان ارتطم بها رأسنا لنعيد اكتشاف أنفسنا. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.