على مر سنوات طويلة كان كوكب المريخ محط اهتمام العلماء ودراساتهم التي أسفرت مؤخرا عن اكتشاف المياه السائلة على سطحه لتؤكد أن هذا الكوكب المتجمد احتوى يوما ما على بحار وبحيرات مما يرجح أن الكوكب كان بيئة لكائنات حية..وشجع الاكتشاف هؤلاء العلماء على مزيد من الدراسات المستقبلية للكوكب وقياس إمكانية توليد حياة جديدة فيه بظل توافر المياه والأوكسجين.
هذا البحث حرك مخيلات وأحلام الناس ليس بزيارة للكوكب فحسب، بل بهجرتهم إليه بعد أن طفح كيلهم من ويلات كوكب الأرض الذي بات يعج بالشرور والحروب والدمار من جهة..ومن جهة أخرى باتت الموارد التي هيئته ليكون كوكب صالح للحياة تتهاوى ببطء سيؤدي يوما إلى زواله.
فحل اليأس والاحباط بالبعض ، بينما آخرون يشعرون بعدم الانتماء بعد الآن لكل هذه الأجواء الخانقة التي تفرض عليهم حياة لم يخططوا لها ولا أرادوها..
جميل أن يحلم الانسان بحياة جديدة في بيئة بكر نظيفة لم تمسها مخططات البشر ونواياهم بعد، ولا طالتها الأوجه السوداء للاستهتار العلمي ومخلفاته الضارة للبيئة التي تتكدس يوما بعد يوم .. وكأنها المدينة الأفلاطونية الفاضلة..
لكن البشر يبقون بشرا .. فهل لو تمت لهم يوما ما إمكانية الهجرة ليصبحوا مواطنين مريخيين سينسلخون عن طبيعتهم التي توارثوها جيلا بعد جيل على كوكب الأرض ، ويؤسسون مجتمعا ذا قيم إنسانية ترسخ الخير والعدالة والتسامح والمشاركة وفق دستور مريخي مثالي بامتياز؟! .. أم سرعان ماسنجد الحدود تقطع أوصال الجغرافية المريخية .. والطمع بموارد ومزايا تتمتع بها بقعة أكثر من أخرى سيدفع لاحتلالها ؟ ..
هل ستتلاشى الأنانية والأذى من وجدان الناس .. وتزول الوصولية والفساد من مفاصل المجتمع لا وفقا للدستور المريخي فحسب ، بل لأن المهاجر قد هرب من هذه الوصمات التي اصطبغت بها مجتمعاته الأرضية وجعلته يحلم ببقعة في هذا الكون تخلو من كل شيء سيء و بغيض ؟! ..
قبل أن تولد أجيال جديدة على كوكبنا الأرض تسعى لنشر التسامح والقبول والعدل والسلام والخير والحب ..و تعتني بهبات الطبيعة وكائناتها ومواردها .. وتهتم لتقدم علمي وتكنولوجي يحمي كل نطاق حوله من الأخطار الكيماوية والضارة ليس بالانسان فحسب بل بالغلاف الجوي و البحار و النباتات ..
بدون كل هذا فإن الحياة بكوكب جديد لن تكون سوى إعادة لكل ما حل بكوكب الأرض وما تحيا الأرواح وفقا له ..!
فما الذي جعل كوكب الأرض مريضا ومهددا إلا طبائع وأساليب وقيم وأفكار البشر..فلو انتقلت شذرات منها إلى كوكب آخر ستكون كفيلة بتحطيم أحلام الكوكب الفاضل ووضعه على طريق مصير جاره كوكب الأرض ..
فمهلا لتلك الأحلام !.