الإثنين , 29 أبريل 2024

مرفت عبدالعزيز العريمي تكتب: أيام الليمون..!

= 1874

Mervat Oraimy 2

 

"أرغب في مساعدة الأطباء كما ساعدوني حتى يتمكنوا من مساعدة أطفال آخرين"، في الرابعة من عمرها اقترحت الكساندرا سكوت على والدتها فكرة فتح كشك لبيع عصير الليمون بهدف جمع التبرّعات لمرضى  الورم الجذعي، وسرعان ما انتشر الخبر بين الناس، وحقّق أول مشروع لها مبلغا قدره الفا دولار امريكي، وقاد ذلك إلى فتح مؤسسة خيرية باسم صندوق الكساندرا سكوت لكشك الليمون،  وحتى بعد وفاتها  في عام 2004  لا زالت مؤسستها نشطة إلى يومنا، وتنظّم سنويا أيام الليمون في شهر يونيو، فلم يقف المرض عائقا أمام  طموح طفلة أرادت أن تمنح السعادة للآخرين، بل وجدت الدعم من والدتها التي دعمت فكرتها، ولايتملكها اليأس، بل ثابرت إلى أن تحوّل الحلم الطفولي الى مشروع جذب الصحافة، والمجتمع .

 الكثير من المشروعات السامية تحمل أسماء أطفال أرادوا أن يمحو الحزن، والبؤس من وجه الحياة،  أذكر بعضهم مثل راين هيلجاك  ذي التسعة أعوام الذي  قرر أن يتبرع بمصروفه لجمعية خيرية تبني الآبار في أفريقيا عندما علم أن هناك من يقطع الأميال للحصول على دلو ماء نظيف، في حين  كان  يحصل على الماء من حنفية المنزل ! وبعد أعوام من المثابرة، والعمل الجاد استطاع أن يساهم في بناء ما يقارب الألف بئر، وصار اليوم يملك مؤسسة  باسم "بئر راين"، ولويس برايل الذي اخترع طريقة كتابة البريل للمكفوفين، وهو في الخامسة عشر من عمره،  وكايتي ستلجلينو  التي بدأت بزراعة الملفوف في حديقة المنزل كجزء من واجبها المدرسي وعندما نما الملفوف بشكل مذهل اقترح جارهم التبرع لجمعية تطعم الفقراء، وهنا التقطت الطفلة الفكرة، وأصبحت تزرع الخضروات للفقراء، وجمعت التبرعات  بمساعدة زملائها، وأهالي الحي لزراعة الحديقة، حتى أصبح لها خمس وسبعون حديقة في سبع وعشرين ولاية وهي في الرابعة عشر من عمرها، وتطعم من خلالها الفقراء بمساعدة الأطفال  الذين أشركتهم في الزراعة .

بداية الابتكار فكرة  قد تكون مجنونة بعض الشيء، أو مستحيلة أحيانا  لكنها  مختلفة، وصعبة بالنسبة لنا، وليست لهم، فعقولهم اليانعة لم تمتلىء بعد بالخبرات، والقوالب الجامدة،  فأفكارهم ندية، ونقيّة من الشوائب السلبية،  ويمكن أن تصنع التغيير الذي نرغب فيه من قال أن الإبداع حصرا على الكبار؟ ومن قال أن الحلول لا توجد في رؤوس الأطفال؟ 

 إلا أن المشكلة تكمن في القناعات الراسخة لدى البعض، فكثيرون لا يطلقون العنان  للأطفال كي يبدعوا، أويساعدوهم كي يحلموا بدواعي أقرب الى قصة الدب، أو القرد الذي قتل صاحبه من شدّة حبه له،  بعض  الممارسات التربوية، والتعليمية المكتسبة في مجتمعاتنا تمثل قيودا على ابتكار الحلول لحياتنا اليومية،  فلا ضير من أن  نستمع إلى مقترحات الاطفال التي قد تزرع الثقة في أنفسهم، ونتعلم منها طريقة وضع الحلول لهموم المجتمع  إن دعم مقترحات الأطفال، وتبنيها سينمي قدراتهم في التفاعل مع الحياة وتعلم مهارات العيش باستقلالية، وتصنع منهم أفرادا صالحين

في اوقات كثيرة نزرع بايدينا بذور الاتكالية، والإنانية  عند الاطفال من دون قصد ونجفف منابع الابداع بتهميش ادوارهم في الاسرة والمدرسة والمجتمع  واستمرار  تلقينهم الخبرات المعلبه  حتى تتلاشى مهاراتهم في حل المشكلات وقدراتهم على الابتكار،  بل نحرمهم من أن ينطلقوا في ملكوت الكون  كالطائر السعيد مشبعين بالحب شغوفين للمغامرة ،علما أن الدراسات العلمية تؤكد أن  الأطفال يتعلمون الحديث من  مراقبة حركة الشفاه، ويمكنهم التفكير كبالغين  من عشرة أشهر، وهم بارعون في تطبيق مفاهيم المشاركة، فيما بينهم  من العمر خمسة عشرة شهرا، ويستطيعون تميز بين الأشخاص الطيبين، والسيئين من السن ستة أشهر هذه الحقائق العلمية عكس ما نطبقه من أساليب التربية التي هي أقرب إلى التدليل منه الى التنشئة الصحيحة، ويشدد العالم  ابن سينا في أهمية صقل مهارات الطفل، وشخصيته بعد الفطام حيث يقول "تبدأ تربية الصبي منذ نعومة أظفاره إذا فطم من الرضاع بدءا بتأديبه، ورياضة أخلاقة قبل أن تهجم عليه أخلاق اللئيمة، وقال أيضا "على المدبر أن يزن طبع الصبي ويسبر قريحته، ويختبر ذكاءه، فيختار له الصناعات بحسب ذلك " . 

إن ما نعانيه من تحديات مع الأجيال الناشئة تعود الى القناعات التربوية التي كوّنتها الأسر في إعتمادهم على المدرسة، أو الحاضنة، وأهمال السنوات ما بعد الفطام التي تعد الأهم في  تشكيل شخصية الطفل، واكتشاف ميوله، ومواهبه، فأجمل سنوات العمر والعطاء هي سنوات الطفوله التي يكون بها الطفل في قمة حيويته ونشاطه وقدرته على العطاء  اذكر قصة فيلم  الاجنبي " الكبير" الذي يبين كيف استطاع  طفل  في جسد رجل ناضج ان يحقق ارباح لشركة تصنع العابا للاطفال في حين اخفق الكبار في تقديم افكارا مبتكرة، ولسبب بسيط أنه كان يحمل عقل طفل بنقائه وصفائه.

تلك السنوات تذهب سدى من عمر الطفل  في مجتمعاتنا نتيجة لمفاهيم  ثقافية سادت، وتجذّرت في نفوس  بعض من الكبار،  فيتمّ  التعامل مع الطفل من منظور الجاهل الذي لا يفهم ما نقول غير عارف بما يدور، فهو لا  يستوعب حديث الكبار، ولا يصحّ مجاراته، أو محاورته حتى فيما يخصه لأننا الأكثر دراية بمصلحته باعتبار أن الحياة الحقيقية تبدأ بعد  التخرج من الدراسة،  ومن هناك يبدأ المشوار،  بعد أن ضاعت سنوات النمو الفكري، واعتاد على من يفكر نيابه عنه، وهذا مغاير تمام للحقيقة أن الحياة تبدا مع الولادة، والخبرات تتراكم بالتواصل مع الكون

عن حسن نية ، أو حب تغتال الآلاف من الأفكار الواعدة، والمواهب الابداعية في الأسرة، والمدرسة، والجامعة، وغيرها من المؤسسات  ليس عن كره -لا سمح الله- بل عن حب، و قناعة أن الأوان لم يحن لهذه البذرة أن تنطلق الى السماء، وتزهر، وتطرح ثمارا هذه الثقافة، للأسف، تورث للأجيال القادمة التي تنشىء بنفس المفاهيم،  فنهدر ثراوتنا بوأد الأحلام الصغيرة،  والكثير من "أيام الليمون"، و"آبار راين" .

————–

 * كاتبة وباحثة عمانية.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 7298 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.