الأحد , 12 مايو 2024

مرفت عبدالعزيز العريمية تكتب: النوم عند العاصفة ..!

= 1457

Mervat Oraimy 2


 يعد البعض  النوم أكثر من مجرد روتين حياتي يومي ،فيعتبره  مكافأة يستحقها بعد كل انجاز يصحبه مجموعة من الطقوس ما قبل النوم كالقراءة، أو التمتع بالموسيقى الهادئة،  أو ممارسة تمارين التأمل واليوجا.

تطور طقوس النوم عبر الزمان مع تطور كل شيء من حولنا إلا انه يسود الاعتقاد أن اسلافنا كانوا ينامون ويصحون مع تعاقب الليل و النهار الا أن هذا الاعتقاد غير دقيق، فعلى الرغم من أن بعضا من أنماط النوم لاقت استحسانا لاقت الأخرى استهجانا كالنوم صباحا والسمر ليلا،وعلى العكس من ذلك، فإن يقظة فرسان الساموراي أثناء الليل يعد فضيلة أثرت على أدائهم نهارا لنومهم  أثناء المحاضرات.

يسرد لنا التاريخ قصصا، وحكايات عن طقوس النوم لدى مشاهير العالم،فليورنادودفينتشي كان ينام 20 دقيقة كل أربع ساعات، ومثله اديسون الذي كان ينام أكثر منه بعشر دقائق حتى يحصل على التركيز الكافي للعمل، أما المليادير دونالد ترامب، فانه ينام لمدة 3 ساعات فقط ليظل متربعا على عرش النجاح، ولتشرتشل طقس غريب في النوم،إذ أنه وضع سريرا في البرلمان البريطاني حتى يحظى بالقيلولة؛ لأنه كان مؤمنا إنها كانت سببا في تحقيق بريطانيا لانتصارات عدة إبان فترة ادارته. تقول بريغت الباحثة في تاريخ النوم إن الاستيقاظ مبكرا والنوم متاخرا عند الكثير من الحضارات الشرقية كالكونفوشية، والبوذية، وكان يطلق على كل من ينام متاخرا ويصحو مبكرا بصاحب فضيلة.

ويشتهر اليابانيون بغفوة «الإينيموري» وهي كلمة مكونة من مقطعين: الأول اي وتعني الحضور ونيموري وتعني النوم حيث يغفو اليابانين في أي لحظة، وفي أي مكان حتى أثناء العمل، ولا يلقى هذا السلوك استهجانا عند اليابانين؛ لأن قيمة المشاركة الاجتماعية، وحضور الاجتماعات اكثر أهمية ودليلا على أن الشخص مستعدا للتضحية براحته من أجل المشاركة .

في مفارقة اخرى، فإن النوم الزائد يسبب قساوة القلب والبلادة للعقل، وأمراضا صحية أخرى كثيرة كالقلب والسكري وآلام المفاصل، و اضطراب الهورمونات، والسمنة، والصداع، وقد تؤدي الى الموت المفاجىء.

المصباح الكهربائي والتنافس الرأسمالي المحموم غير كثيرا من عادات النوم وأوجد أنماطا أخرى كثيرة أصبحت تهدد حياة الأنس، واداء الشركات؛ لذلك أصبح النوم اليوم مصدرا لدخل اضافي، وسببا للمكافاة، وحرصا على صحة الموظفين، فقد اصبحت الشركات التي تخشى  تأثير حرمان النوم على صحة موظفيها تتنافس على تشجيعهم على اتباع نمط حياة صحية لرفع مستوى الإنتاجية والأداء والأهم الحفاظ على صحة الموظفين، فالموظف السعيد يكون أكثر إنتاجية من غيره،إذ يتم منحهم المكافاة في حالة نومهم سبع ساعات يوميا، وتتراوح المكافأة بين 300 دولار الى 500 دولار سنويا، ويقوم الموظفون بتسجيل نومهم آليا باستخدام سوار بالمعصم مرتبطا بنظام مؤسساتهم، هذه الخطوة اتخذتها المؤسسات بعد علما بنتائج الدراسات العلمية التي أكدت على وجود العلاقة بين الأداء، وساعات النوم، فقد اشارات دراسة لمؤسسة “راند كوربوريشن”     أجريت في عام 2015 بأن الموظفين الذين ينامون أقل من سبع كل ليلة كانوا أقل إنتاجية من الموظفين الذين ينامون أكثر من ثمان في الليلة الواحدة،  كما إن عدم أخذ قسط كاف من النوم قد يسبب المرض. إذ يصبح الفرد أكثر عرضة أربع مرات للإصابة بالزكام مثلا عن الشخص الذي أخذ قسطا أكبر من الراحة.

وعلى ذكر حضرة النوم، أذكر قصة أرسلت إلي تحمل معاني قيمة وثرية عن صاحب مزرعة أراد توظيف من يهتم بشؤون مزرعته، فأتاه رجل يبحث عن وظيفة فسأله صاحب المزرعة :ما هي نقاط قوتك؟ فقال: أنا من ينام حين تشتد العاصفة، لم يتمعن صاحب المزرعة في العبارة والتحق الرجل بالعمل، ويوما ما أتت عاصفة هوجاء شديدة أرعبت صاحب المزرعة الذي خاف على ماله وحلاله، فخشي أن تفسد مزرعته، وذهب الى العامل فوجده يغط في نوم عميق، فهز كتفه بغضب محاولا ايقاضه، وقال له: ألا تشعر بالعاصفة؟ففتح العامل نصف عين، وقال :نعم أدرك انها العاصفة، لكنني قبل العاصفة قد أمنت الخراف، وأدخلت الخيول إلى حظائرها، وتأكدت أن البئر آمنا، مما ستحمله الرياح،  لذلك، فإني لست قلقا على شيء، فأنا من ينام عندما تشتد العاصفة …

تحمل القصة دلالات عن أهمية التخطيط بوضع خطط وبدائل قبل السكون الى الدعة والراحة، فالأيام نوائب ونحن كثقافات اكتسبنا عادات، ومفاهيم للراحة، والنوم تختلف عن المجتمعات المتقدمة التي تقدس قيمة الوقت وساعات الراحة دون اسراف، أو تفريط ، فحسب الاحصائيات تتراوح ساعات النوم لدى بعض الشعوب وفقا للاحصائيات الأخيرة كالاتي في مصر 13 ساعة يوميا والكويت 12 ساعة يوميا، والسعودية، ومالطا عشر ساعات، وهولندا 8 ساعات، أما الكوريون، فهم الأقل في ساعات النوم ، إذ لا تزيد عن 6 ساعات .

تحتفظ ذاكرتي بأجمل طقوس النوم  التي  لازالت مسجلة في عقلي الباطن ..كان ياماكان في قديم الزمان ،ولايحلو الكلام إلا بذكر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام …. أبقى حاضرة بكل حواسي وجدتي تسرد لنا حكاية ما قبل النوم للشاطر حسن وقمر الزمان والكثير من الحكايات التي حملت القيم الأصيلة، والصفات الحميدة .. أسافر في الحكايات التي صورتها خيالي الطفولي للأحداث، والأماكن سارحة أحلق في سماء الأحلام حتى يتسلل النوم إلى جفني وأغط في نوم عميق في حضنها.. ما أجملها من طقوس لنوم لا يخلو من مغامرة! .
—————
* كاتبة وباحثة عمانية

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: وداع يليق بإنسان جميل

عدد المشاهدات = 4822 صدق المبدع مرسى جميل عزيز عندما قال : على طول الحياة.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.