الإثنين , 6 مايو 2024

مرفت العريمي تكتب:360 درجة!

= 1416

Mervat Oraimy 2


إن الفرد المنتج أهم من المورد الناضب، فالفرد هو أساس التنمية وأداتها والأجيال تتعاقب بينما النفط والموارد الطبيعية تنضب، ومن المؤسف أن نجد الاعتماد على إيرادات الموارد الناضبة قد خدَّر الطاقة الإنتاجية لدى كثيرين سواء على مستوى الأفراد أو المؤسسات  في المجتمعات العربية و الخليجية على وجه الخصوص وجعلنا نعتمد على الغير بدلا عن وضع خطط بديلة لتوطين الوظائف وتلبية احتياجات سوق العمل وتغيير في سياسات التعليم والاستفادة الفعلية من مهارات الكوادر الوطنية  كالخرجين  من حملة الشهادات العليا والبطالة المقنعة بالمؤسسات.

 في الوقت التي تبحث فيه الدول النفطية عن بدائل جديدة للدخل تنعش من اقتصادياتها ومواجهة حالة  الكساد الاقتصادي العالمي المتوقع  يظهر في الأفق  تحد جديد وظاهرة قديمة مازالت متأصلة بمؤسسات القطاع العام في الدول النامية على وجه الخصوص وتعيق من خطط الإنقاذ الاقتصادي أو التنمية المستدامة  وهي الإدارة التقليدية المثقلة بالإجراءات المعقدة و الكثيرة، وغير واضحة من حيث المدة الزمنية  التي يتطلبها كل إجراء و ازدواجية العمل بين المؤسسات في القطاع نفسه، والعمل في جزر منعزلة وفي إطار غير تكاملي مع عدم وجود معايير واضحة لقياس إنتاجية المؤسسات والموظفين أو  وجود خطط  بمؤشرات قابلة للقياس والتقييم  وعلى الرغم من سعي هذا القطاع لتطبيق نظم معلوماتية وتقنية وإدارية حديثة  إلا أنها لم تسهم في تحسين الأداء، أو الإسراع منه؛ بل إن الكثير من عمليات التطوير الإداري خلقت تحديات جديدة لا تنصب في مصلحة الأداء وظل معدل الفعلي لإنتاجية الموظف الحكومي يراوح مكانه والذي لا يزيد عن نصف ساعة باليوم وما يقارب 7% من الوقت المحدد قانونا.

 كما إن الصورة النمطية للعمل بالقطاع الحكومي والذي يربط بين الإنتاجية والحوافز وعدم وجود مسار وظيفي واضح وربط الترقية الوظيفية والمادية بالأقدمية دون الالتفات لعنصري الكفاءة والأداء وغياب التدريب والتأهيل النوعي المرتبط بتحسين الأداء والإنتاجية و غياب الوصف الوظيفي الذي يحدد واجبات وحقوق وأدوات العمل وضعف فعالية نظم المتابعة والرقابة وعدم وجود أدوات تقيس الأداء الفعلي والتي تتم وفق المعايير والأهداف والخطط الموضوعة  والتعيين الذي لا يراعى ملائمة التخصص للوظيفة وغيرها الكثير من العوامل أثر و بشكل كبير في إنتاجية الموظف في القطاع والناتج الفعلي للمؤسسات وخلق نوع من التسيب الإداري الذي أصبح يعرقل العمل  ويؤخر من أي تطور مرجو  لمواجهة الأزمات المتلاحقة، أو تعزيز القطاعات الاقتصادية الأخرى والتي تعتمد بشكل أساسي على عنصري سرعة الإنجاز ومرونة الإجراء.

إن أغلب  العاملين في القطاع الحكومي يطبقون ثقافتهم الفردية كأساليب للعمل حيث يسود  اتباع الأساليب غير العلمية في إدارة العمل واتخاذ القرار وحل المشكلات والمكتسبة من الخبرات والحدس والتخمين والتوقع على حساب الأساليب الإدارية العلمية في ظل غياب مدونة الموارد البشرية ودليل  تنظيمي  لثقافة العمل المؤسسي كما إن أسلوب التنشئة  الاجتماعية القائم على الاتكالية  لدى فئات عريضة من المجتمع  رسخ مفاهيم  العمل في جزر المنعزلة وصراع  على المناصب كما إن التنشئة التعليمية فقد غفلت في أوقات كثيرة تزويد النشء بمهارات العمل وأخلاقياتها الضرورية في مراحل التعليم المختلفة.

إن الارتقاء بالمنظومة الاقتصادية يتطلب الكثير من الخطوات السريعة تبدأ بهيكلة جديدة لعمل القطاع العام يواكب الأهداف الاقتصادية المستقبلية ويحقق أهداف التنمية  المستدامة وتفعيل للتقنية الحديثة لخدمة الإنجاز وبنية قانونية تحدث كل خمسة أعوام  ونظام إداري متطور ومرن يستثمر الموارد البشرية والمالية بفعالية وخطط تكاملية بين المؤسسات  للحفاظ على الموارد ويقيم أداء المؤسسات والأفراد بـ 360 درجة من خلال الزملاء و الأقران والزبائن والمسؤول الأعلى.

تؤكد الدراسات أن الإدارة الوسطى هي أهم مكون في المؤسسات فهي من  تترجم سياسات الإدارة العليا إلى جملة من القرارات وبرامج وتقوم بمتابعة ورقابة  تنفيذ الخطط كما إنها الوحيدة بالمؤسسات التي يجب أن يتمتع عناصرها بامتلاك العديد من المهارات والإمكانيات العلمية والعملية والاتصالية لكونها تتعامل مع المستوى الإداري الأعلى وتشرف على مستويات الإدارة التنفيذية والعمالية وبالتالي يتم انتقاء عناصرها بعناية فائقة وأي إخفاق أو تميز في العمل المؤسسي يكونوا وراءها، لذلك عمد خبراء الإدارة  إلى وضع اليات واختبارات دقيقة ونظام ترقية لا تعتمد فقط على الأقدمية بل ربطت الأقدمية بتوفر عنصري الكفاءة والخبرة وتجاوز الاختبارات بنجاح  والتدريب المستمر  للدفع بالإنتاجية.

وأخيرا فإن إنتاجية المؤسسات مرهون بوضع هيكلية عمل واضحة غير قابلة للتأويل والاهتمام بهيكلية عمل الإدارات الوسطى إن أردنا تحقيق نقلة نوعية تدفع الاقتصاد إلى الأمام. فتغيير الثقافة ليس بالأمر الهين لكن يمكننا استثمار السمات الجيدة في الثقافة.

———-

* مدير مركز الدراسات والبحوث – مسقط.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 13151 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.