الخميس , 2 مايو 2024

مرفت العريمي تكتب: القوة نائمة..مباركٌ من أيقظها!

= 1484

Mervat Oraimy 2


   يسكن في كل منا مارد نائم يتمتع بقوة خارقة في تجاوز التحديات  المختلفة ويحتاج فقط إلى  قرار بسيط بأن نأمره بالاستيقاظ والاتجاه نحو الهدف والمثابرة نحو تجاوز المحن دون تقاعس، أو تردد، أو تأجيل . فالإنسان بطبعه يستكين إلى الدِّعة والراحة وحب المكافاة دون مجهود  والنزوع إلى التملص من المسؤوليات للتمتع بالراحة؛ لذلك ومع مرور الزمن  قد تدخل تلك القوة  في غيبوبة  يعجز بعدها الفرد من  تحقيق أهدافه المرجوة وهذا الأمر طبيعي في المجتمع الإنساني خصوصا إن وجدت البيئة الحاضنة للكسل والاتكالية.

إنَّ مجتمعاتنا تعاني من ضعف الإنتاجية؛ ولذلك فإنّ التحدي الأكبر الذي يواجهنا الآن هو تحوّل الاتكاليّة إلى ثقافة عامة وسلوك  طبيعي في البيت والعمل وحتى في طريقة تعاملنا مع المرافق العامة والخدمية فنجد أن البعض أصبح  مستهلكا لكل شيء أكثر منه منتجا لأي شيء وأقصد بالإنتاجية هنا هي القدرة على اختيار الأفضل من الأفكار، أو المنتجات وتحقيقها بالأمثل من المدخلات وهذا ينقلنا إلى سؤال جوهريّ وهو من يتحمل مسؤولية تدني مستوى ثقافة العمل لدى  العاملين بالقطاعات المختلفة  بصفة خاصة وتدني الإنتاجية بالمجتمع بشكل عام؟! هل هي مسؤولية المؤسسات أم الأفراد أنفسهم؟

 فإذا ما اعتبرنا كل مؤسسة عبارة عن أفراد هم من يضعون القوانين والتشريعات والنظم التي تنفذ في سياق مجتمعي لذا فإنّ المسؤولية من الطبيعيّ والمنطقيّ أن تعود إلى الفرد وإلى الرغبة الكامنة في ذاته نحو تحقيق الهدف المطلوب منه فنحن لا نعمل حتى نتقاضى أجرًا؛ بل نعمل لنبني المجتمع ونعمره ونحن لا نتعلم حتى نحمل مؤهلا يؤهلنا للحصول على وظيفة مرموقة؛ بل نتعلم حتى نكتسب المهارات الحياتية التي تساعدنا كي نصبح متحضرين  ونحمل أسمى سمات الإنسانية.

وفي أحيان كثيرة نعمد إلى تحطيم الحافز الداخلي لدى الأبناء إنْ أخطأوا في القيام بعمل (ما) بدلا عن تشجيعهم على  إنتاجهم للعمل وإن شابها بعض العيوب وهذا الأمر يقلل من الحافز الفطري الذي يوجد بهم من الولادة، ويعد الخوف العدو الأول والمثبط الأساسي للحافز الذاتي يقول أوسكار وايلد "تنازل الإنسان عن سعادته برضاه.. وعذَّب نفسه برضاه.. وأنكر ذاته برضاه.. وكان حافزه إلى ذلك كله هو الخوف." وقد اشتهر ستيف جوبز  بفلسفة "انا ميت" أي إن كل يوم يصحو فيه يعتبره آخر يوم في حياته وعلى هذا الإساس فإنه  يسعى بكل ما أُوتِيَ من قوة ومعرفة وطاقة في أن ينجز من الأهداف دون خوف أو تردد وكيف لا وهو مدفوع بإحساس أن الوقت بدأ في النفاذ ويجب عليه أن يحقق أفضل إنجاز لأنه لا يرغب في يموت كإنسان عادي كغيره من ملايين البشرعبر التاريخ.

إنّ من أسباب التراجع العلمي والفكري والإنتاجي بمجتمعاتنا هي نتيجة لغياب الحافز الذاتي فالكثير يبحثون عن الحافز الخارجي كالمكافاة أو كلمة ثناء للقيام بواجباته أو لتحقيق أهدافه ولا يمكن تحقيق أي نمو بالمجتمعات إن ظل مستوى الإنتاجية اقل من مستوى الاستهلاك. فما نحن عليه اليوم نتيجة تفكيرنا ومعطيات هذا التفكير. لذلك فإن إيقاظ الحافز الذاتي سيعود بنفعه لنا وللمجتمع.
 
 ومن أفضل طرق تغيير ثقافة الاستهلاك  المفرط بالمجتمعات هو نشر ثقافة التحفيز الذاتي بين الناس فكل إنسان يميل إلى حب الذات والمصلحة الخاصة بصفة فطرية لذلك فإنه من المهم  إقناع الفرد أن ما يقوم به من اعمال سواء أكانت في إطار الوظيفة، أو التعلم، أو التطوع سوف يصبُّ في خانة المصلحة الخاصة وسيعمل ذلك على تحفيزه ذاتيا لتغيير نمط تفاعله مع المواقف المختلفة من حوله فتحفيز الذات يعد مهما لمن أراد حياة ناجحة ومتميزة  والتحفيز الذاتي هو أقرب إلى تعلم مهارة للتعامل مع المواقف الصعبة وتجاوزها  بتعلم الطرق الذاتية لرفع المعنويات والصبر والتحمل والتركيز على الهدف والسعي إليه دون توقف أوانهزام .

وفي قصة تعبيرية عن الحافز يحكى أن ضفدعة صماء كانت تحول القفز لمسافة بعيدة وهذا كان يعد مستحيلا  وهذا ما جعل أقرانها يسخرون منها ويثبطون من عزيمتها ويثنونها عن القيام بهذه المغامرة الفاشلة  فإن الأمر يعد مستحيلا إلا أنها لم تكترث لتلك الأصوات وحاولت مرارا إلى أن تمكنت  من القفز أمام ذهول واستنكار الجميع  وفي نهاية الأمر اكتشف الجميع أنَّ  السرَّ في نجاح الضفدعة أنها كانت صماء فلم تسمع ما أثير حولها؛ بل كانت تتحرك بدافع الحافز الذاتي وبفكر منفتح خال من الرواسب السلبية. إن العنصر المشترك بين معظم الناجحين هو وجود حافز ذاتي أقوى من كل التحديات والمشكلات  حافز ذاتي قادر على الطيران بك إلى أعلى السماء حيث تستطيع أن تشاهد الصورة الكاملة و المنظر الأجمل. يقول اندرو كارنيجي: "من لا يستطيع أن يحفز نفسه ذاتياً عليه أن يقنع بحياة عادية مهما بلغت مواهبه".

————————

* مرفت عبدالعزيز العريمي – كاتبة وباحثة عمانية.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 10036 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.