الإثنين , 29 أبريل 2024

مرفت العريمي تكتب: الرسالة ما وصلت!

= 1724

Mervat Oraimy 2


اختصروا المشهد في ثلاث كلمات "الرسالة ما وصلت" بعد أن  بذلتْ جهدا كبيرا في إعداد الرسالة،  واختارتْ أفضل الكلمات الرنانة والمؤثرة لرسالتها  المهمة والتي لها وقع موسيقي  على المستمع   ،  وبعد أن انتظرت التوقيت المناسب  ومن ثم ضغطتْ على زر الإرسال إلى الكل، وسافرت وهي خالية البال مسرورة،  وعند عودتها اكتشفت أن الرسالة لم تصل إلى الموظفين المستهدفين  والموكول إليهم إنجاز المهام  ليس لعطل في شبكة الاتصال؛  بل في عدم وضوح المضمون والنتيجة كانت كارثية   فـ"الرسالة ما وصلت" وهذا خلق لها الكثير من الاستياء من المستهلكين ومزودي الخدمة الذين توقعوا أن يحصلوا على خدمة جيدة  نظير ما يدفعونه من أموال.

 هذا الأمر في حد ذاته أزمة، فالعطل الفني ملموس ويمكن تداركه، لكن العطل  في فنيات إعداد المضمون  لا يمكن تبريره، و ليس من شأن مستهلك الخدمة،  لأنه يتوقع  أن يحصل على الأفضل نظير ما دفع.

إذن أين المشكلة؟ ومن يتحمل نتيجة التشويش  وعدم وصول الرسالة؛ بل من يتحمل تبعات عدم وصول الرسالة؟  أو تأخرها  من  المسؤول عن إعداد مضمون واضح للرسائل فمضمون الرسالة وفق علوم الاتصال والتأثير  هو جوهر الاتصال الا انه لا يحظى بالكثير من الاهتمام في مجتمعاتنا العربية التي تميل الى الاهتمام بالشكليات  والقوالب اكثر من  تحقيق الهدف المنشود .

بالأمس تحاورت مع  شبان  من جيل التسعينيات وكان الحوار شيقا ومرعبا في الوقت ذاته ، فالجيل الجديد  أصبح أكثر اطلاعا واعتمادا على مصادر المعلومات  من الخارج  ويفضل أن يقرأ باللغات الأجنبية لأنه فقد الثقة في مؤسساته!!  ولسبب بسيط آخر هو أن المعلومات التي تصل إليها موقّعة  بأسلوب، وقالب  الستينيات  الذي كان حافلا بلغة البطولات والثورات والفكر القومي ويرونه استخفافا بعقولهم.

والأدهى والأمرّ أنهم فقدوا الثقة أيضا في معلومات الفضاء الافتراضي العربي  ومنصاته المختلفة لأنه وفق وجهة نظرهم  غثّه أكثر من ثمينه، والثمين فيه يميل إلى مخاطبة الوجدان لا العقل، و يتناقض صريحه مع ما تعلموه  وما سمعوه.

هذا الجيل الجديد يحمل في رأسه الكثير من الأسئلة والاستفسارات التي لا تجد الإجابة المباشرة والبسيطة والميسرة، والأسئلة تزداد مع مرور كل يوم  يشهد فيه ظهور مصدر آخر للمعلومة، فالعالم أصبح مفتوحا والمعلومة متاحة وأكثر ما يتجنبون تصديقه تبريرات الكِبار التي تدور حول نظرية المؤامرة  والحديث عن أمجاد  الماضي  لأنها وفق رؤيتهم كلام نظري غير ملموس وغير قابل للقياس!

وعند نقطة المعلومة اقف قليلا لأنها سبب المشكلة، فالفضاء المفتوح أتاح كما كبيرا من المعلومات أوقعت معظم المجتمعات في حالة من عدم اليقين والفوضى المعلوماتية،  فلم تعد المؤسسات الإعلامية التقليدية مصدرا للمعلومة وكذلك الرسمية؛  بل الكل أصبح مصدرا للمعلومات فنحن نعيش في حالة الإغراق المعلوماتي،  وارتفاع مستوى الوعي  نتيجة الانفتاح  غير المسبوق على الآخر، فأصبحت المقارنات  سيدة المواقف عند الأجيال المختلفة، وإن كان الجيل الجديد  الأكثر ميلا إلى طرح المقارنات والتساؤلات كسلوك بشري طبيعي في ظل توفر المعلومة.

فقد اعتمدت معظم الدول العربية على تعليم أبنائها التعليم الحديث سواء في جامعات محلية أو بالسفر الى الخارج لمواكبة متطلبات العصرية،  فنشأوا على علوم تعتمد على المنطق والواقعية لأنها  بطبيعة الحال أُنتجت في مجتمعات متقدمة صنعت المناهج بأهداف وفلسفات ورؤى تتناسب مع غاياتهم وأهدافهم، وأصبح الشباب يتعلمون وفق أسس  ورؤى مغايرة لمجتمعاتهم ، أي إن عقولهم معلقة كالأبراج  ليس لها جذور فلسفية، لأنهم ولأسباب تتعلق بثقافة التعليم الحديث والمتبنى في عالمنا العربي أبعدنا التأسيس القيمي والفلسفي عن التعليم، واعتبرنا كل ما يتعلق بالقيم الثقافية لا يتناسب مع الحداثة والمعاصرة.

فهذا الجيل يعاني من نقص في المعلومات وتوظيفها في خدمة الحياة، وهذه المعاناة قد تتفاقم في غياب  قدرة المؤسسات على إيصال الرسالة بأسلوب يتناسب مع عقلية وذهنية الشباب، فهم يمثلون أكثر من 50% من مجموع السكان في العالم العربي، فكيف لا تتنبه المؤسسات إلى هذه النقطة وتبحث عن آليات جديدة لمخاطبتهم، وحتى عندما يتم تقديم المعلومات في قالب حديث وعبر وسائل التواصل الاجتماعي  إلا إن المضمون مازال يعتمد على لغة العاطفة لا لغة العقل والواقعية والمنطق.
 
 لكن الأسوأ هو أن تدار منصات الاتصال  الإعلامي من قبل هواه أو مبادرين غير مدربين  على مخاطبة فئات مختلفة بعقليات وثقافات متنوعة، في حين نجد في الدول المتقدمة وفي مجال الاتصال تحديدا اعتماد رئيسي على  نخبة من أفضل الباحثين والعلماء الاجتماعين والنفسيين وعلماء الإعلام والاتصال  لإعداد الرسالة أو الرؤية المستهدف منها مخاطبة المجتمع، لذلك نميل إلى تصديق كل ما يأتي منهم حتى وإن كانت المعلومات فيها الكثير من المغالطات المنهجية.  
 
ان عدم الثقة واليقين في مصادر المعلومات  المحلية من قبل أجيال  يُراد منهم بناء الأمة مشكلة سيكون لها تأثيرات سلبية على المدى البعيد إن لم يتم  الاهتمام بمضامين الرسائل وترجمتها بلغة مفهومة ومستوعبة وإعادة بثها في عقول الأجيال المستهدفة.

—————————-

* مرفت عبدالعزيز العريمي-باحثة وكاتبة عمانية.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 7358 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.