الخميس , 9 مايو 2024

مرفت العريمي تكتب: الانفتاح على العالم

= 1648

Mervat Oraimy 2


يوتيوبرز وفيسبوكين وسنابرز وغيرهم الكثير، يقودون المجتمعات إلى اتجاهات مختلفة وزوايا حادة كثيرة بعضها إيجابيّ وبعضها الآخر سلبيّ، غير أننا اليوم أحوج من أي وقت مضى إلى  تطبيق مصافي سقراط الثلاث في التعامل مع المعلومات التي تردنا وتتوافد إلينا من كل حدب وصوب، و بحاجة أيضًا إلى التريّث لمدة دقيقة لا أكثر والتفكير في كل ما يردُ إلينا قبل أن نطلق الأحكام الجزافيّة، أو نتخذ القرارات المتسرعة فكثرة المعلومات المتاحة عبر المصادر المختلفة تمثل إشكاليّة كبرى حالها حال قلة المعلومات؛ بل ساعدت في نشر الشائعات وخلق الأزمات.

فالإعلام الجديد (المنبر الوفي) الذي ينقل كل ما تشتهيه الأعين وتلتذ به الأنفس نظراً لسهولة و صوله وتأثيره على اتجاهات قطاعات عريضة من المجتمع وعلى مواقفهم حيال القضايا المختلفة، تتساوى تأثيراته على الصغير والكبير والمتعلم والجاهل واليوم الكل يحتاج إلى من يقدم له يد العون كي يحسن التعامل مع الإعلام  .

لقد تمكنت من احتلال مكانة خاصة في قلوب الناس، حتى ليصعب على البعض الاستغناء عن تلك الوسائل ولو للحظات إننا نعيش في زمن الهيمنة التكنولوجية التي ألغت الحدود والحواجز، واختزلت المسافات والأزمان، وتخطَّت الجغرافيا والتاريخ وتنوع الثقافات، فأصبحنا بكبسة زر واحدة نحصل على ما نريد دون مشقة أو تعب .

كما إن المعروض في السوق الإعلامي الجديد متشابه في المحتوى والأسلوب إلى حد كبير، وكل ذلك يحدث في إطار استراتيجية العولمة وبناء الإنسان الكوني ذوي الثقافة الواحدة وتذويب الثقافات الأخرى إلى أن تتلاشى وتتشكَّل على إثرها خصائص نفسية وثقافية جديدة وفق خطط مرسومة لصاحب الخطاب الأكثر تأثيرا  .

فمع تطور وسائل الاتصال وتعددها أصبح من الصعب جدا حماية القيم الثقافية والمجتمعية وقيم الأسرة  أمام هذا السيل العرم من القنوات والمواقع  والتطبيقات التي  تعترض حياتنا دون إتاحة الوقت الكافي لنا لتقييمها تقيما سليما،  فسرعة تدفقها وقدرتها الفائقة على التلوّن والتطور يجعلنا في حيرة من أمرنا!! فكيف يمكن استيعاب هذا الكم الهائل من وسائل الإعلام والترفيه التي تتنوع بين وسائل موجهه لتحقيق أهداف بعينها، ووسائل تعبر عن آراء أصحابها وأخرى تقدم المعلومة القيم فلم تعد الأسرة أو المدرسة المؤسستين المسؤولتين عن التربية؛ بل أصبح للإعلام – خصوصا الجديد – التأثير الأكبر في تشكيل القيم والثقافة حتى السلوك.

لقد أتاحت التكنولوجيا الحديثة الفرصة لكل من يبحث عن فرصة لإبراز مواهبه، أو نشر المعلومات إلا أنها في الوقت نفسه تركت الباب مفتوحا وعلى مصراعيه للجميع فالمشكلة ليس في تنوع الوسائل والمعلومات بل في طريقة التفاعل معها والذي يعتمد بشكل كبير على مستوى وعي الفرد وفهمه لطبيعة الإعلام وفلسفته حتى يتفادى الوقوع كضحية .

الكثير من الدراسات أثبت أن الإعلام الجديد لا يمثل خطرا فقط على الدول والمجتمعات بل يشكل خطرا كبيرا على أخلاقيات المجتمعات وقيمها وتعدّى ذلك إلى تأثيره على الصحة النفسية والجسدية للأفراد نتيجة التعرض المستمر لتلك الوسائل، ناهيك عن دورها في نشر الجريمة.

إن الإعلام الجديد امتلك القلوب وسحر العقول خصوصا الأطفال الذين اعتادوا منذ نعومة أظفارهم التعامل مع الوسائل التقنية كفرد موثوق وصديق مؤتمن!! المعضلة الكبرى تتمثل في ضعف قدرة المجتمعات على منع التأثيرات السيئة وحماية الأطفال والشباب وحتى الكبار من الوقوع ضحايا لتك الوسائل، فلا يمكن منعهم من مواكبة العصر ولا يمكننا أن نتبع الأسلوب التقليدي في التوجيه والمنع والتوبيخ لأن الزمن قد تغير ولكل زمن أداوته ووسائله.

إذن فإن الطريقة المثلى للتعامل مع هذا الأمر يتلخص في نقطتن؛ الأولى إتاحة المعلومة بالطريقة المناسبة والثانية تعليم المجتمع بكافة فئاته كيفية التعامل مع تلك الوسائل بشفافية علمية مناسبة وبسن تشريعات وقوانين تنظم التعامل مع تلك الوسائل وليس حجبها.

كما إن من الضروري وضع استراتيجية تربوية وتعليميه وإعلامية حديثة يضعها علماء النفس والتربية والإعلام لتعزيز مفاهيم التعامل مع وسائل الإعلام والتكنولوجيا بشكل عام بعيدا عن الخطاب التوجيهي المباشر الذي كثير ما يخفق في إيصال الرسالة.

وتلعب الأسرة دورا كبيرا في تحصين الأبناء بالقيم  الأساسية في الصغر  من خلال  وجود القدوات المناسبة وتعزيز مفهوم التربية بالمحاكاة  ومنح الأبناء مساحة الاختيار بعد تعليمهم معايير الصواب والخطأ حتى يتدرب الأبناء على الاختيار وتحمل مسؤولية الاختيارات وكسب الخبرات المناسبة فمن المهم أن  يتعلم  الأبناء التعبير  عن آرائهم وأحلامهم في إطار الأسرة و المدرسة والمجتمع حتى لا يصبحون من  ضحايا الكبت فالمجتمعات  العربية خصوصا يجب إدراك أن قوة الانفتاح وسرعتها المتزايدة لا يمكن التعامل معها بالطرق التقليدية أو السباحة ضد التيار؛  بل بابتكار وسائل حديثة موازية وطرق توعوية مبتكرة لحماية قيم المجتمع من الذوبان.

————-

مديرة مركز الدراسات والبحوث – مسقط

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: وداع يليق بإنسان جميل

عدد المشاهدات = 3169 صدق المبدع مرسى جميل عزيز عندما قال : على طول الحياة.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.