الثلاثاء , 7 مايو 2024

كيف تؤثر الكلمة الطيبة في المجتمع؟

= 1742

 

بقلم د. محمد راتب النابلسي

إنه من أكبر نشاطات الإنسان الكلام, والله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ الرَّحْمَنُ﴾
[سورة الرحمن الآية:1] ﴿ عَلَّمَ الْقُرْآَنَ﴾
[سورة الرحمن الآية:2] ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ﴾
[سورة الرحمن الآية:3] ﴿ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
[سورة الرحمن الآية:4] فالأنبياء الذين اصطفاهم الله, وأرسلهم إلى خلقه, بماذا جاؤوا؟ ما جاؤوا لا بمخترعات, ولا بطائرات, ولا بصورايخ, ولا بأجهزة معقدة جداً, إنما جاؤوا بالكلمة, كلمة, كلمة تفعل فعل السحر, كلمة تهدي البشر إلى رب البشر.

ذكرت هذه المقدمة, لأمهد لكم لهذه الآية: ﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً ﴾

-الكلمة الطيبة: هي الكلمة الصادقة, والكلمة المخلصة, والكلمة التي لها رصيد في الواقع, كلمة تعبر عن واقع لها رصيد, وكلمة صادقة مطابقة للواقع, وكلمة مخلصة يبتغي معها صاحبها وجه الله, هذه الكلمة الطيبة: الإنسان إذا نطق بها, ربما أصلحت نفوسنا. وربنا سبحانه وتعالى يقول:
﴿ وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ﴾
[سورة المائدة الآية:32]

أحياناً: ربنا عز وجل يكرمك بهداية إنسان, هذا الإنسان يأتي بأخيه, وأخيه, وصهره, وابنه, وينتقي زوجة صالحة, ويختار أصدقاء صالحين, يختار مهنة شريفة, هذا الرجل الذي منَّ الله عليك بهدايته, صار أمة, صار مجموعة كبيرة, فلذلك: ربنا عز وجل, يعني أنا أذكر هذا لئلا يزهد أحدكم بالكلمة, لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:
((الكلمة الطيبة صدقة))

ما من صدقة أعظم من كلمة الحق أن تقول: كلمة الحق, وقد يسأل سائل: لماذا الكلمة الآن لا قيمة لها؟ يقول له: كلام, بلا فلسفة, لماذا؟ لأن الكلمة ليست صادقة, والواقع لا يؤيدها, وصاحبها لا يعني ما يقول, فلما الكلمة كانت صادقة, وكانت مخلصة, ولها رصيد من الواقع جاء بها الأنبياء, هذا النبي العظيم بماذا جاء؟ حياته خشنة جداً, في صحراء, حياة متواضعة, يعني بيوت صغيرة, فرش خشنة, طعام خشن, لا يوجد شيء, أما إنسان واحد في ربع قرن غير وجه الأرض بالكلمة.

الآن: الدول العظمى عندها أقمار صناعية, وعندها صواريخ, وعندها كمبيوتر, يقرأ أربعمئة وخمسين مليون حرف بثانية, أربعمئة وخمسين مليون حرف بثانية, مراصد عملاقة, وأقمار صناعية, وأسلحة, وصواريخ, وبوارج, وطائرات, وقنابل ذرية, وكل هذا الإنجاز العلمي لا يزيد البشرية إلا شقاء وانحطاطاً, والأنبياء جاؤوا بالكلمة, كلمة فقط, وأنت أيها الأخ الكريم, أنت إذا ملكت الكلمة الطيبة, ملكت كل شيء.

أحياناً: تجد جموع كبير, ما الذي جمعه؟ كلمة طيبة, ما في شيء, الناس يأتون إلى بيوت الله, ماذا يوجد؟ لا يوجد طراحة, ولا كأس شاي, ولا ضيافة, ولا رسم إكرامي, لا يوجد شيء أبداً, لا يوجد إلا كلمة طيبة.

الآن: ربنا عز وجل يصف هذه الكلمة الطيبة, يشبهها بالشجرة الطيبة-:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴾
[سورة إبراهيم الآية:24] ﴿ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ ﴾
[سورة إبراهيم الآية:25]

أنت تصور شجرة تين مثلاً, خذ حبة تين, وعد كم بذرة فيها؟ وتصور أن كل بذرة تغدو شجرة, وأن كل شجرة تحمل عشرات ألوف هذه الثمار, وأن كل ثمرة فيها عشرات ألوف هذه البذور, معناها: من بذرة واحدة يمكن أن تشكل غابة, هذه تسمونها السلسلة الهندسية, في تعبير أحدث منه (سلسلة انفجارية), فالكلمة الطيبة تعمل سلسلة انفجارية, تجد مجتمع بأكمله يهتدي بالكلمة الطيبة, فالمؤمن يجب أن يجهد, أن يجعل سريرته كعلانيته, وواقعه ككلامه, وظاهره كباطنه, وخلوته كجلوته, إذا كان الإنسان عرف أن هنا في صدق, ما في كذب, ما في مبالغة, ما في تزوير للحقائق, الكلمة الطيبة أكبر صدقة, وأكبر قوة مؤثرة الإسلام, قوي بلا أي سلاح, قوي بالكلمة الطيبة, قوي بالصدق:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ ﴾
[سورة إبراهيم الآية:24]

معنى: أصلها ثابت في أساس, يعني الإسلام دين الله, والله خالق الكون, فهذا الإسلام من عند خالق الكون, والله عز وجل هو قنن القوانين, إذاً: هذا الدين مبني, يتوافق مع أدق القوانين التي قننها الله عز وجل, البشرية مهما تحركت, ومهما نشطت في البحث عن منهج, لا تهتدي إلا إلى منهج ينطبق على منهج الله عز وجل:
﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾

-أنت أحياناً تتكلم كلمة طيبة, تجد من حين لآخر في عطاءات, هذا اهتدى, وهذا تاب, وهذا أصلح بيته, وهذا أصلح زوجته, وهذا تمكن من إقامة الإسلام في بيته, وأساس كل هذه الإنجازات كلمة طيبة واحدة-:
﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ﴾

-بعالم التجارة, يكون إنسان أحياناً وكيل شركة, وكيل حصري, يطلع إنسان من نفس البلد من وراء ظهره, يتعاقد مع الشركة, فهذه الشركة المحترمة ترسل له عملته دورياً, مبالغ طائلة, فلان اشترى لك بالمئة ثلاثة عمولة, مئة ألف أُيدت في حسابك, يعني في عطاء مستمر, لذلك ربنا عز وجل يعني يحبنا أن نتاجر معه, وأن نربح عليه, أما أصلها ثابت, يعني كلكم يعلم أن الحق هي علاقة قطعية, قطعية, أمر مقطوع بها, تطابق الواقع, عليها دليل مقطوع بها, لا يوجد ظن, يوجد عندنا وهم, ويوجد عندنا شك, ويوجد عندنا ظن, أما قطع بالمئة مئة, فالحق قطع, والحق يطابق الواقع.

نقطتان في الدرس: الكلمة الطيبة صدقة, والكلمة الطيبة تعني أنها صادقة, وتعني أنها مخلصة, وتعني أنها تطابق الواقع, وهذه الكلمة جاء بها الأنبياء, وأنت بإمكانك أن تكون أسعد الناس بالكلمة الطيبة؛ إما بسماع الكلمة الطيبة, وإما بلقاء الكلمة الطيبة, لكن لأن الكلام صار في كذب كثير, والعالم يقوم على الكذب, والخداع, والغش, والدجل, وكلام لا يطابق الواقع, والكلام في واد, والواقع في واد, فالناس كفروا بالكلمة, صار يعني إذا إنسان أحب أن يسب إنسان حكواتي حتى ……, يعني كلام فاض, لكن الأنبياء جاؤوا بالكلمة.

والمؤمن الصادق يبقى يستقيم, يحاسب نفسه حساب عسير, يجعل بيته إسلامي, يطبق كل الشرع, حتى يأخذ شيء اسمه المصداقية, فلان عنده مصداقية, يعني كلامه كواقعه, هذا الإنسان ممكن يؤثر بالناس, ممكن يهدي الناس إلى الله, ممكن يلتف الناس حوله, ممكن يتأثرون بكلامه, أما إذا كشف السامع يعني تناقض بين القول والفعل, تسقط الدعوة.
والحمد لله رب العالمين

 

شاهد أيضاً

الأسباب العشرة الموجبة لمحبة الله عز وجل

عدد المشاهدات = 6651 ✍️ صفاء مكرم الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.