الأربعاء , 1 مايو 2024

“كوفيد”…قصة قصيرة بقلم أمل عيد

= 2448


(لما فرقتنا الدروب..
وفرضوا علينا الحصار قصرًا وحرمونا من آخر بقايا الأمل في القرب..
وصارت أنفاسها حرزًا عليّ ..
وتلامس أيدينا فى السلام صار هو نذير الحرب!
وتجمّد الزمن فوق عقارب الساعات حولي، فما عدتُ أدرى كم من الوقت مر علىّ مُنعزلِ ..
واتتنى الشجاعة أخيرًا لأطرق بابها، برغم الحصار..
برغم ما فرضته علٌيّ من حظر !
لطالما أردتها لو تدرك كم أن الحياة قصيرة لتهدرها فى الخصام والهجر..
لطالما بسطتُ لها جناح الوداد لتستعيض عن صبوتها الحمقاء وصدودها الطويل تجاهي وتذيقني راحة القرب..
لكنها أغلقت الباب دون قلبها رغم طرقي الدؤوب له، حتى وهنت طاقتي في العتب..
تنتظرني أن أطرق بابها.. كي لا تُجيب !
يعجبها تذللي و صدودها..
ويعجبها تعلقي بها ولوعتي في بعدها ..
فأكثرتُ من الغياب لما وجدتها انتصرت لروحها المنكسرة وأبت أن تفتح الباب لي، رغم يقيني بأنها جالسة من ورائه تنتحب..
أتراها كانت خائفة إن فتحت لي أن تصيبها عدوى الحنين التي تجتاحني ؟
أتراها كانت تخشى إن قربتني إليها أن تخالط أنفاسها الحائرة زفراتي الحارة فتشقى بي !
أبكي الظلمة التى سكنت قلبها فما عادت عينها تضيء لي ..
والعتمة التي أورثتها بروحها فما عاد حنينها يرقُ لي ..
كيف استحلت كل أنفاسها وزفراتها بعيدًا عنى ؟
الشتاء بغيابها كان يمتد إلى كل الفصول ..
وقلبي لم يعد يعرف سوى البرد..
أسعى إليها في أناة ونداء أخير..
لكنها تعزل قلبها عني ولا تجيب !
وهل يجديها انعزالها ؟
أما علمت أنها تعيش بداخل أنفاسي ؟
ويتشربها قلبي الراجف بحبها في الوريد ؟
ووجدتُ أني غير عابئ بزحام الأنفس في الطرقات فلزمتُ الباب..
والزمن وقف معي على عتباتها متخاذلًا يغزوه ألف سؤال دون جواب ..
وعذابات أيام طوال موحشة في انعزالها عني .. عانيت خلالها وحدي، وسكت الزمان على مضض ..
وسألت طبيبًا عن حالي فنظر لوجهي وامتعض ..
لا حاجة لك في مسحة يا ولدي .. أراها تطل من عينيك !
فإعزلها عن قلبك ولا تلتفت ..
واشتد عليّ كل عارض من عوارض الألم اللعين..
فما عدت أجد مذاقًا لأيامي بدونها..
وماعدتُ أشتم رائحة الهواء العابق برحيقها العطِر..
أنفاسي كانت متلاحقة، ولسانى بإسمها ثقيل..
وحمى الحنين كانت تنازعني فإرتجف.. حائرًا بين طول إنتظاري والعمر القصير..
انتظر من الليل نهايته ومن الصدود مداه وبروحي فراغ الكون ..
عبثًا أطرق بابها..
والأمل بشفائي منها يتكسر على عتباتها..
أجدها بوجداني حاضرة تسكن روحي و لا تغيب..
تترفع عن الحنين الذي يسكن ضلوعها لي ولا تستجيب !
وأي كِبر هذا الذى تأويه بصدرها لكل هذا الصدود ؟
يحتضر العمر بعيدًا عنها وتتزايد وخزات القلب..
لم يكن لى سوى عيناها لتنير الدرب ..
وودت لو أتخلص من سطوتها على قلبي ..
لو أستطع أن أحمل قلبي الراجف بعيدًا عنها وأمضي..
لو أعفُ نفسي من الحنين والنظرات المتعبة وبقايا الأمل والحزن والغربة ..
لكني أتنشقها كل صباح .. و أتنفسها كل مساء ..
ولا تكترث هي لخواء صدري وضياعي والعتمة والألم ..
لا تكترث للطير الراجف بليال البرد ..
تركتني وحيدًا لأسأل نفسي متى صرنا غرباء إلى هذا الحد ؟
بزمن فرضوا علينا فيه التباعد ..
وفرضت علىّ فيه البُعد ..
وماعاد يُعذر فيه الحب ! )

شاهد أيضاً

“إجمع ما بقى من بقاياك”…بقلم نبيلة حسن عبد المقصود

عدد المشاهدات = 3346 حين يذهب الشغف في طيّات الفتور. ويستوي الأمران.من قربٍ وبعدٍ… حبٍ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.