الأربعاء , 8 مايو 2024

عُـلا عبدالرشيد تكتب: كبرت..!

= 2260

Ola Abdul Rasheed

 

اشفقت عليها وهي قادمة نحوي فقد كانت تدفع عربة صغيرة من عربات الاطفال بيد وتمسك بالأخري طفلا في الرابعة او الخامسة تقريبا بينما تنظر خلفها لتنهر طفلتين ربما كانتا بين الثامنة والعاشرة من العمر، وهي تحثهما علي السير بعيدا عن نهر الطريق، شفقتي عليها ليست لحيرتها وهي تجر هذا الجيش الصغير بقدر ما كانت عليها هي شخصيا.. فقد رأيتها متقدمة في السن بما لايتناسب مع سن اطفالها..وكانت ممتلئة القوام جدا لا تقوى علي السير مما جعلها تتصبب عرقا حتي شعرت انها تتنفس بصعوبة وتكاد تسقط من فرط التعب!

اقتربت مني بموكبها الصغير وهي ترمقني متفحصة حتي كدت اتيقن انه اكتشفت ما يدور بداخلي، وشعرت بالدماء تتدفق في وجنتي ساخنة من فرط الإحراج، فأدرت عيني سريعا بعيدا عنها غير انها ما لبثت ان توقفت امامي فجأة وهي تهتف باسمي في صورة تساؤل وانا انظر اليها مندهشة، ولما رأت حيرتي قالت: "ألا تعرفينني؟ انا فلانة زميلتك في مدرسة السيدة عائشة الاعدادية والثانوية بنات.. للدرجة دي نسيتيني.. والا شكلي اتغير قوي.. بس انت ماشاء الله عليكي شكلك ما اتغيرش كتير ايه اخبارك؟ اتجوزتي؟ منين؟ وعايشة فين؟ اشتغلي؟ دول ولادي وفيه حاجة غلطة جاية في السكة بعد ما قلت خلاص توبة انتي ما بترديش علي ليه؟

الحقيقة ان الذهول وكلماتها التي خرجت متتالية مندفعة كأنها لم تتكلم منذ زمن شلا قدرتي على الحديث وعلى الإجابة علي تساؤلاتها..فقد كانت "عبير" وهذا اسمها جارتي في الطفولة كانت تكبرني بعام واحد فقط.. لكنها كانت بالنسبة لي قدوة ومثل، وكنت اتمني تقليدها في سنوات المراهقة، فقد كانت ترتدي الاحذية ذات الكعب العالي وتطلق شعرها علي كتفيها دون رباط ، كما كانت ترتدي الجيبات الضيقة المفتوحة من الخلف والتي كانت موضة في ذلك الوقت، وتضع المساحيق الخفيفة وتلك كانت اقصي أمنياتي في الحياة وكنت اتمني تقليدها..لكن ذلك كان عيبا في منزلنا.. وكان والدي يقول لي: "عيشي سنك.. بكره تملي من كل ده".. وكنت اتقبل كلامه علي مضض.. لأنني لا املك غير ذلك!

أما عبير.. فقد كانت تنال اعجاب كل شباب الجيران.. ولعنات وشتائم كل الأمهات الذين يرونها "بنت عيارها فالت"،  ومش لاقية حد يربيها واستمرت علاقتي بعبير حتي نهاية المرحلة الثانوية وغادرت المدرسة قبلي بعام لتلتحق بأحد المعاهد بعدها التحقت أنا أيضا بجامعة القاهرة وانخرطت منذ عامي الأول بها في العمل بالصحافة..ولم أعد أراها كثيرا لإنشغالي حتي علمت ذات يوم من إحدي صديقاتي انها ارتبطت بشاب رفضه أهلها وأنها حاولت الإنتحار من أجله وانقذوها ثم حاولت الهرب معه لتجبرهم علي الموافقة عليه حتي رضخوا أخيرا ووافقوا عليه وتزوجته.. بعدها لم اسمع شيئا عنها لكنني كنت بيني وبين نفسي سعيدة من اجل انتصار قصة حبها..


سألتها: "انت سعيدة بحياتك وانك اتجوزتي اللي حبتيه ؟" اجابتني بلا وعي: "بلا نيلة ده شكل واحدة سعيدة انا لو لي اهل ربوني كانوا اصروا علي موقفهم ومنعوني لكن ده نصيب .. حب ايه يابنتي الحب هرب بعد اول سنة لما حس بالمسؤلية وآهي ماشية"..

استمرت:  "انما قولي لي انت شكلك ما اتغيرش كتير ونظرت إلى يدي وقالت ايه ما تجوزتيش علشان كده زي ما انت ؟".. ضحكت وقلت لها "اتجوزت وزهق ومات"!

واستأنفت: "عندي علياء" ، فقالت "يابختك" ولما رأت دهشتي قالت: "آه يابختك دلوقت انت مسؤلة عن نفسك وعن بنتك من غير وجع دماغ وتحكمات.. عمل طيب انه مات".
قلت: "الله يرحمه كان كويس".. فأجابتني "ده عشان مات لوكان فضل عايش كنت غيرتي رأيك اسأليني انا".

واستمرت قائلة، "انا قلت لو واحدة من البنات جت يوم وقالت لي انا بأحب هولع فيها ..الحب ده كدبة كبيرة بنكدبها ونصدقها علشان مغفلين" .. لم أجد فائدة من استمرار المناقشة واعتذرت لها بارتباطي بموعد هام وتبادلنا أرقام التلفونات علي أمل اللقاء وودعتها وانصرفت!

وكان أول ما فعلته فور دخولي إلى المنزل ان وقفت أمام المرأة اتحسس وجهي وملامحي وانظر الي جسدي ثم امسكت ألبوم صوري القديمة لأرى الفرق بين حالي الآن وبين ما كان.. والحقيقة انني اكتشفت ان الفرق كان بالفعل كبيرا.. فقد سرقتني السنين دون ان اشعر وتركت لي حقيقة لم افكر فيها يوما هي انني بالفعل…كبرت!

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: وداع يليق بإنسان جميل

عدد المشاهدات = 1356 صدق المبدع مرسى جميل عزيز عندما قال : على طول الحياة.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.