الجمعة , 3 مايو 2024

عبد الرزّاق الربيعي يكتب: الْمَصَرُّ العُمَانِيُّ تَاجٌ مَخْمَلِيٌّ

= 1505

razaq(1)


ما أن نشرتُ صورتي ، وأنا أضع على رأسي "المَصَرُّ" حتّى وصلتني تعليقات من زملاء، ومحبّين ،عبر مواقع التواصل الاجتماعي مرفقة بتبريكات لنيل شرف الجنسيّة العمانيّة ، إلى جانب ملاحظات على طريقة "ربط" " المَصَرّ" ، هذا التفاعل الذي أسعدني، عبّر عن اعتزاز هؤلاء الزملاء،  والأحبّة، بزيّ وطنيّ صار علامة مميّزة للشخصيّة العمانيّة، داخل السلطنة ،وخارجها ، على وجه الخصوص، ففي منتصف الثمانينيات..

 وخلال انعقاد مهرجان المربد الشعري ببغداد، لفت الوفد العُمَاني أنظار الجميع، لارتدائه الزيّ الوطنيّ العُماني الذي يُزينه "الْمَصَرّ"ُ، وبعد سنوات، زرت "بيروت" بمهمّة ثقافيّة عربيّة، ومن بين جميع الوفود العربيّة المشاركة اختطف صديق عُماني الأضواء، وعدسات المصورين، وكاميرات الهواتف المحمولة ، وكان الزي العماني الذي يرتديه، هو الذي جعله محلّ الاهتمام بدليل إنّه خسر ذلك الاهتمام بعد أن ارتدى البنطال !

وللعمائم تاريخ طويل سطّر على الرؤوس التي تباهت بها، فقد ارتبطت بالوجدان، والوجاهة، لتكون أكثر من قطعة قماش تلف على الرأس، بل علامة من علامات الزهو، التي تدلّ على الرفعة، والسماحة رغم أنّ الحجاج بن يوسف الثقفي كسر القاعدة، حين دخل الكوفة حين عيّن واليا على العراق، فقال قولته الشهيرة:

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا
متى أضع العمامة تعرفوني

فعرفه التاريخ حاكما يقطر من سيفه الدم، كونه لم يضعها على رأسه كما وضعها الأشراف، لكن العمامة ظلّت علامة على النبل، وتميّز رأس العربي مثلما تميز "البيرية" رأس الفرنسي، و"الكاسكيت" الإنجليزي، وقبعة الجلد الأمريكي، وقبعة الخوص المكسيكيّ، وقد نقل عن عمر بن الخطاب (ر. ض) قوله: "العمائم تيجان العرب" ، وكان للعمامة دورها الحضاري في الحضارات الاسلاميّة الأموية، والعباسية، والأندلسية وصولا إلى العثمانية، ويعود أقدم ظهور للعمامة، كما يؤكد الآثاريون، إلى البابليين في حضارة وادي الرافدين، إذ عثروا على تماثيل قديمة تضع على رأسها عمامة، وحين زرت متحف اللوفر بباريس توقّفت طويلا عند تمثال الملك كوديا الذي يعدّ أشهر ملوك السومريين ، وهو الملك الثاني عشر لسلالة لكش ، وحكم من سنة (2124 _ 2144 ق م ، وتزين رأس التمثال عمامة عليها نقوش منتظمة، وكان أشراف الجاهلية، والخطباء يلبسون العمامة في عكاظ،..

ويورد الباحث سعود بن عبد الله الرومي في كتابه "العمامة"، العديد من المعلومات القيّمة حول تاريخ العمامة التي تميزت بأشكالها والوانها، فيذكر أنّ عمامة السلطان العثماني كانت كبيرة الحجم، فقد كانت كفنا يضعه السلطان العثماني فوق رأسه، ويقال ان السلطان بايزيد دخل في معركة مع الروم، فقتل، وكفّن بالعمامة التي كانت على رأسه!

وارتدى الأمويون، والعباسيون ألوانا مختلفة.. يقول الرومي " لقد لبس النصارى في العصر الفاطمي العمائم السود، ولبس أهل السامرة بفلسطين اللباس الأحمر، وفي العصر المملوكي أمر السلطان ناصر قلاوون أن يلبس النصارى العمائم الزرق، واليهود العمائم الصفر، والسامرة العمائم الحمر، فالتزموا بذلك في سائر بلاد مصر والشام، ولذلك فقد لجأ بعض النصارى إلى إعلان إسلامهم بخاصة أولئك الذين كانوا يعملون في دواوين الدولة "..

وقد صنعت العمائم من مختلف الأقمشة من بينها الحرير ليكون خفيفا على الرأس، والصوف، لكنّ الشائع اليوم هو القماش القطني، وتميّز علماء الأزهر بنوع من العمائم الذي هو طربوش أحمر يلفّ حوله قماش أبيض، وهي ما تسمّى بالعمامة الأزهرية، وعندما دخل بونابرت مصر نزع تاج الإمبراطور، ووضع بدلا عنه العمامة، إذ لم يجد وسيلة يتقرّب من خلالها للمصريين سوى لبس العمامة.

وقد تميز جنوب الجزيرة العرب في عمان، واليمن، والحجاز بلبس نوع من العمامة مختلفة الأنماط، والأشكال وظل العُمانيون إلى يومنا متفرِّدين بـ"الْمَصَرُّ"، ليصبح هوية راسخة للعماني يتوارثها جيلا بعد جيل، وهي جزء من تاريخه الطويل، وثقافته العريقة، وتوجد في السلطنة أشكال عديدة من الـ"مَصَرُّ" بحسب المناطق، فهناك الصوري الذي ظهر في الفلكلور الشعبي العماني، وتغنّى به عبد الله بلخير، ومَصَرُّ أهل الظاهرة، والداخليّة، والشرقية، و الـ"مَصَرُّ" الظفاري، وهذا يذكّرنا بانسجامه مع أنواع الخناجر العمانية المختلفة، وفي كل تلك الأشكال، يظلّ  الـ"مَصَرُّ"  واحدا ، ومكمّلا للباس الرسمي ليجعل العمانيين مميّزين بين أقرانهم، بينما خلعت شعوب عربية العمامة، بعد أن ارتدت  اللّباس الإفرنجي، وها هو الـ"مَصَرُّ" يعود إلى مكانه ، ليكون تاجًا أتشرّف بوضعه على رأسي ، كما وضع العمامة أسلافي البابليّون  .
 

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 10794 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.