السبت , 4 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: وجبة ضحك في “المصنعة”

= 1656

 

razaq(1)
 

 

 
في أيّام العيد ، إذ تكثر الدعوات، تلقّيت دعوة لوجبتين بوقت واحد في "المصنعة" : الأولى العشاء مع نخبة من نجوم المسرح، والإعلام العماني، والخليجي، والثانية مشاهدة عرض مسرحي قدّمته فرقة مسرح عُمان حمل عنوان "صلبوخ، وعائلته الكريمة"، وإذا كانت الأولى ترفع نسبة "الكولسترول"، فإنّ الثانية تخفض الضغط، وتبثّ المرح ، والسرور في النفوس، كونها أتاحت لي فرصة مشاهدة عرض مسرحي كوميدي، بعد أن انقطع حبل الوصل مع هذا النوع من العروض، وكان آخر عرض كوميدي شاهدته قبل عامين في "قريّات"، وقدّمته مجموعة من شبابها على مسرح مفتوح، وكان ثمن التذكرة نصف ريال، وهو ثمن بخس لا يعني شيئا إزاء الاستمتاع بمشاهدة عرض ممتع قائم على الكوميديا الهادفة الموظّفة توظيفا جيّدا، فكشف عن قدرات شبابيّة في المسرح الكوميدي، وهو ،كما يعرف المشتغلون في المسرح، من الفنون المسرحية الصعبة، إذ من السهولة جعل الجمهور يبكي لكن من الصعب إضحاكه.

 في ذلك الوقت استبشرت خيرا، وقلت في كلمة ألقيتها بعد انتهائه: إنّ هذا العرض يستدعي أعمالا شاخصة في ذاكرة المسرح العماني قدّمت في الثمانينيات، وأوائل التسعينيّات أبطالها صالح زعل، وسعود الدرمكي، وفخرية خميس، وكان آخر عرض كوميدي جماهيري قدّم في "مسقط"، حسب معلوماتي، هو "المشكاك" للفنان سالم بهوان الذي عرض قبل أربع سنوات، ونشط هذا النوع من المسرح في "صلالة" خلال الأعياد، ومهرجان خريف صلالة السياحي، إذ يلقى إقبالا كثيرا من الجمهور الذي تزدحم به المقاعد، وشكّلت هذه العروض مصدر دخل جيّد للفرق المسرحيّة في محافظة ظفار، ونقرأ بين وقت وآخر أخبارا عن عروض كوميدية قصيرة، و"اسكتشات" تقدّم على مسارح المدارس، والنوادي في المناسبات، وهذه لم تبلور إتجاها يمكن أن يعطي مؤشّرا في المسرح العماني، الذي ظلّت علاقته بالجمهور تنشط في المهرجانات المسرحيّة، وبعض العروض المتفرّقة، لذلك سررت كثيرا عندما دعيت لحضور هذا العرض الذي قدّم ثاني أيام العيد على مسرح نادي المصنعة الرياضي، وتاصل على مدى ثلاثة أيّام، وهو من تأليف: فاطمة العامري، وإخراج خالد أمين.

حين دخلت مع الضيوف المدعوّين قاعة المسرح ، رأيناها ممتلئة ، بحيث جلب المنظّمون  مقاعد من الخارج للضيوف، درتُ بعينيّ في القاعة، لاحظت جمهورا لم نعتد على اللقاء به في العروض المسرحيّة التي غالبا ما يحضرها النخبة، وأصدقاء المشاركين، ومندوبو وسائل الإعلام، ومحبّو المسرح ، فهذا الجمهور من مختلف الشرائح:رجالا، ونساء، كبارا، وصغارا، وقد دخل القاعة بعد المرور على شبّاك التذاكر، ومعظم أسعار التذاكر رمزيّة، لكنّها تعطي مؤشّرا على وجود جمهور على استعداد بأن ينفق من جيبه لمشاهدة عرض مسرحي، وعلى قلّتها فأثمان هذه التذاكر يمكن أن تشكّل مصدر دخل للفرقة يدعم عملها، وهذا مهم لاستمراريّته .

وإذا ما تجاوزنا فقرات ما قبل العرض، من كلمة، وألعاب سحريّة لأحمد البلوشي،وتكريم عدد من الضيوف من المسرحيين، والإعلاميين، وهي طريقة ذكيّة لجرّ "أرجل" النجوم لعروض الشباب، ودعمها بهذا الحضور، ورغم أنّ هذه التكريمات جاءت على حساب الاستمتاع بالعرض الذي تأخّر عن موعده المحدّد، لكنّ العرض أعاد الحيويّة للقاعة، ونجح فريق العمل في شدّ إنتباه الجمهور منذ المشهد الأول، فتفاعل مع العديد من المشاهد الكوميديّة التي كشفت عن طاقات رائعة للشباب خصوصا بطل المسرحية فيصل طلال العامري الذي أكّدت قدراته في الأداء أنّه من الممكن أن يصبح نجما من نجوم الكوميديا في عمان، فيما لو استمرّ، وطوّر أدواته، إلى جانب غادة الزدجالي، وبقية أعضاء الفرقة، فقدّموا عرضا ممتعا لا يخلو من بثّ رسائل توعويّة، ناقشت قضايا عديدة، تندرج ضمن المسرح التعليمي لبريخت، وكان الممثلون يخرجون عن النص ليتباسطوا مع الجمهور، ويتحاوروا معهم، خارج الخشبة، والسير بين صفوف الجمهور، لايصال رسالة هي إنّ المسرح هو جزء من حركة الحياة.

 ورغم أنّ العرض استند إلى ثيمة بسيطة لكنّ أداء الممثلين، جعلهم ينجحون في شدّ انتباه الجمهور، ورسم البسمة على شفاهه.

إنّ هذه التجارب من شأنها أن تؤسس علاقة مع الجمهور، لذا، فاستمرارها ضروري، لكي يصبح ارتياد المسرح ممارسة تندرج ضمن برامج الأسرة العمانية مثلما تندرج زيارة المراكز التجارية للتبضع، وارتياد المطاعم، وذلك للاستمتاع بوجبات مسرحيّة  .          
 

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 11556 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.