الأحد , 5 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: هجمة إنسانيّة مرتدّة!

= 1339

Abdul razak Rubaiy


رغم أنّ بعض ردود أفعال العالم الغربي على صورة الطفل السوري الذي قضى غريقا على الشواطىء التركيّة ، بشكل خاص،والمهاجرين غير الشرعيين بشكل عام،  لم تكن كلّها  متعاطفة ،وايجابيّة، بدليل أن بعض الدول الأوروبية استنفرت قوّاتها الأمنية للحدّ من تدفّق اللاجئين، كهنغاريا بحيث أن وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس انتقد موقفها، وبعض دول شرق أوروبا ووصفه بـ"المشين"، كما أنّ  السياسي البريطاني بيتر بكليتش عاب على الرأي العام عبر حسابه بـ"تويتر"اهتمامه بصورة الطفل الغريق قبل أن يواجه بانتقادات شديدة جعلته يزيلها، مع ذلك كسب الغرب نقطة ثمينة وضعها في ميزان حسناته، أكّدت إنّه ما زال يمثّل حلما فضفاضا بالنسبة للكثيرين من العرب، والمسلمين، والأفارقة، وسكّان المناطق المنكوبة، نظرا لسجلّه المتخم بالكثير من العلامات المتقدّمة في مجال الحريّات الشخصيّة، وضمانات حقوق الإنسان، وتقدّمه في البرامج التعليميّة، والصحّة، وضمان الحدّ الأدنى من العيش الكريم، في حالة عدم الحصول على فرصة عمل، وهذا يحصل كثيرا، بحيث جعل معظم اللاجئين يعيشون عالة على تلك المجتمعات ،ويشكّلون عبئا على ميزانيّاتها، التي تؤخذ من الضرائب المفروضة على مواطني تلك الدول، وهي ضرائب ليست بالقليلة.

 هذه"العالة" الوافدة في أغلب الأحيان لا تضيف شيئا لتلك الدول، ولا تقدّم أيّة اسهامات في تقدّم المجتمعات التي تحتضنها، لصعوبة انخراطها في الحياة العامّة، في الجيل الأوّل على الأقلّ، وربّما يمكن لهذا أن يتحقّق بدءا من الجيلين الثاني، والثالث ، فيملأون شوارعها بالعاطلين عن العمل، والذين يعملون في "الأسود" أي العمل خارج ضوابط قوانين العمل المتّبعة في تلك الدول، وفي بعض الأحيان بالمتسوّلين، كما رأينا خلال زياراتنا للندن ،وباريس، وعواصم أوروبية أخرى، ومع ذلك، فتلك الدول تفتح ذراعيها لاحتضان اللاجئين ،وتقدّم لهم كلّ ما يحتاجون إليه من خدمات.

 وفي زيارتي الأخيرة لبلجيكا، زرت أحد الأصدقاء الذين لجأوا إلى بلجيكا فوضعوه في "كمب" بمدينة"ييج"، وفيه لاحظت أعدادا كثيرة من مختلف الجنسيّات، تمارس حياتها بشكل حرّ، تتلقّى مساعدات، وما تتطلّبه من أكل، وشرب ،ورعاية صحيّة ، بانتظار قرار مفوضيّة اللاجئين في قبولها الطلب،أو رفضه، وهذا  قد يحتاج شهورا أحيانا،وإذا جاء الجواب بالرفض، فبإمكان مقدّم الطلب أن يعترض ،ويوكّل محاميا، ويستأنف، ويقدّم أدلة جديدة تقوّي من مشروعيّة طلبه، وكلّ ذلك يتمّ بسلاسة، واحترام، وتقدير يضمنه القانون كون اللاجىء يضع أقدامه على أرض أوروبيّة تنظّم العلاقات بها قوانين أقرّتها الأمم المتّحدة تحترم الإنسان، إلى جانب توفّر الأمن، والإستقرار، هذه الحالة غائبة في الكثير من الدول التي يفرّ منها مواطنوها، وصولا إلى "أرض الأحلام".

 ولهذا ، نشطت أخبار موجة اللاجئين في الأسابيع الأخيرة، فذكرت المفوضية العليا للأمم المتحدة للاجئين ان اكثر من 300 الف مهاجر عبروا البحر المتوسط منذ مطلع العام الجاري هربا من النزاعات في افريقيا والشرق الاوسط، وأكثر من 2600 لقوا حتفهم خلال هذه الرحلات، التي تناقلت الوكالات أخبارها، مدعومة بصور، وقصص، ومقالات أثارت الرأي العام، وغذّت مواقع التواصل الإجتماعي، فظهرت احتجاجات ،وتظاهرات، في أماكن عديدة من العالم كان منظّموها يضغطون على حكوماتهم لتقديم المزيد من التسهيلات للاجئين من باب التضامن الإنساني مع أوضاعهم المزريّة، حتى أن صحيفة" الاندبندنت" أفردت سبعا من صفحاتها الأول لتقارير ومقالات رأي حول المأساة ،وملأت صفحتها الأولى بصور بريطانيين متضامنين معهم للضغط على كاميرون لقبول المزيد من المهاجرين" كما ذكرت "البي بي سي"،وقال رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينزي إنّ "على اوروبا أن تتحرك "، فتحرّكت أوروبا قاطبة ، ،وأعلن رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس تأييده استقبال  بلاده"الهاربين من الحرب، والاضطهاد، والتعذيب والقمع"،كما وصف داعيا الى معاملتهم باحترام، ودعا المفوض الأعلى للأمم المتحدة للاجئين، "أنطونيو غوتيريس "، دول الاتحاد الأوروبي، إلى استضافة قرابة 200 ألف لاجئ وفق حصص إلزامية لكل دولة.

هذه الحالة لم نجد لها شبيها في دولنا العربيّة، رغم أن معظم اللاجئين هم من العرب، والمسلمين، ونحن أولى بهم من أناس ننظر إليهم كون مصيرهم إلى       "جهنّم وبئس المصير"، بل، والكثير من الغربيين، شخّصوا هذا الخلل، وبدأوا يجهرون بالتصريح به، كما فعل الصحفي روبرت فيسك الذي يرى إن تفضيل  مئات الآلاف من اللاجئين التوجّه إليهم هو أن "فكرة الإنسانية لاتزال حية في أوروبا"،وكأنّه أراد أن يقول إنّ هذه الفكرة وئدت في مناطقنا المنكوبة إلى أبد الآبدين ولاحول ولاقوّة إلّا بالله! .

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 12210 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.