الإثنين , 29 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: معزوفة عربيّة في القرية “الأولمبيّة”

= 1781

razaq(1)

 

رغم أنّنا بلغنا منتصف ماراثون أولمبياد "ريو" إلّا أنّ النتائج التي أحرزها المشاركون العرب ظلّت متواضعة، كما هو معتاد في الدورات السابقة من الأولمبياد الذي انطلق في العاصمة اليونانية أثينا في صيف العام 1896، وظلّت منصّات التتويج لا تتكلّم بلسان عربي مبين، ولا ترفرف فوقها أعلام الدول العربيّة، إلّا في حالات قليلة، وظلّ الرياضي العربيّ في ريو" غريب الوجه، واليد، واللسان"، مع اعتزازنا بالإنجاز الذي حقّقه الكويتي فهيد الديحاني عندما رمى، فأصابت رميته "الحفرة الزدوجة"، فاستحقّ الميدالية الذهبيّة، وكانت الأولى التي يحقّقها رياضيّ عربيّ في "الأولمبياد"، فارتفعت معنويّات الرياضيين العرب، في تلك الليلة، وفسحت "السامبا" البرازيليّة ذات الجذور الأفريقيّة المكان لرقصة " العرضة "، و" الدان"، و"الهولو"، وغنّت الحناجر :

"ها نحن عدنا ننشد الهولو على ظهر السفينة "

ولكن هل ستكرّر هذه النشوة؟

من المرجّح أنّ الإجابة سلبيّة مع اشتداد المنافسات مع دول جرى إعداد رياضييها بشكل جيّد، هذا الإعداد جرى ضمن وضع خطط، وبرامج، واجراءات عمليّة، وتدريب، وكدّ، ورصد ميزانيّات، ورسم مشاريع طويلة الأمد ، ولم يأت بضربة حظّ نعوّل عليها الكثير، أو تعثّر الخصوم ! لذا ستظلّ تلك الميدالية الذهبيّة وحيدة تتبختر على صدر "الفهد" الكويتي تبحث عن شقيقة لها من المعدن النفيس ذاته، رغمّ أنّ دولا أخرى أمطرت سماء القرية الأولومبيّة " ريو" على رياضييها بالعديد من الميداليات في "الأولمبياد"  الذي يقول سجلّه أن حصّة العرب منه كان فقيرا، فمنذ انطلاقه قبل 120 سنة، وحتى ريو البرازيلية 2016م  لم يحصد العرب غير  94 ميدالية، تنوّعت بين 23 ميدالية ذهبية، و24 فضية، و47 برونزية، وجاءت ذهبية الكويت، رغم أنّها وضعت تحت الراية الأولمبيّة، لتنعش آمالنا  إلى جانب برونزيّات: توما الإماراتي بالجودو، وسارة المصرية ،ومواطنها محمد إيهاب في رفع الأثقال، والتونسيّة إيناس في المبارزة ، لأنّها وضعت اسم العرب في قائمة الدول التي نالت الميداليات، لكن الإسم ظلّ في ذيلها، فيما أثقلت القائمة  بأسماء دول عديدة تصدّرتها الولايات المتحدة الأمريكيّة، ونال بعض الرياضيين أكثر من ميداليّة ذهبيّة، وهو ما عجزت عن تحقيقه "خير أمّة أخرجت للناس" بقضّها، وقضيضها !!

ورغم أنّ المشهد يتكرّر كل ّ أربع سنوات، بحذافيره، منذ أكثر من قرن، إلّا أنّ الحال لم يتغيّر قيد أنملة، وعلى سبيل المثال ، فبلد كالعراق، بكلّ عمقه التاريخي، والحضاري،  لم يحصل إلّا على ميدالية برونزية يتيمة في رفع الأثقال نالها عام 1960، وقد بذل محاولات عديدة من أجل أن لا تظلّ تلك الميدالية " بيضة الديك" دون جدوى !

والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا يظل سجلّ العرب فقيرا من الميداليات، حين يدخلون ساحات المنافسة في مجال من الممكن أن يكونوا به أكثر حظّا في رياضات اشتهر العرب بها عبر التاريخ، كالفروسية، حين كانوا  لا يشقّ لهم فيها غبار، وكذلك الرماية، والسباحة انطلاقا من المقولة المعروفة "علّموا أولادكم الرماية، والسباحة، وركوب الخيل"، ولكننا لم نعلّم أولادنا لا هذه، ولا تلك، فأضعنا الطريق في الرماية، والسباحة، وركوب الخيل، مثلما أضعناها في المجالات العلميّة، والإقتصاديّة، ومجالات الحياة ،وأنشطتها المختلفة، ولو جرى استحداث  أولمبياد علمي، وسياسي، وثقافي، واقتصادي، كما نرى في الألعاب الرياضيّة، لكانت الفضيحة مجلجلة !

ولا أجد لتساؤلي غير جواب واحد هو : إنّ العملية مرتبطة بمنظومة كاملة، ولا شكّ لدينا خلل في منظومة بناء الإنسان، هذا الخلل أحدث تراجعا نهضويا شمل مختلف مجالات الحياة :السياسية، والعلمية، والاجتماعية، والثقافية، والرياضية،

ولكي نتجاوز ذلك، علينا تغيير استراتيجيات التعليم، والفلسفة التعليمية، ونبتعد عن التلقين في المدارس، ونركّز على العلوم التطبيقية، وتعلّم المهارات، ويشمل ذلك حتى تغيير المباني المدرسية التي ينبغي أن تستوعب الأنشطة الرياضية، والتوسع في انشاء الحدائق، وحمامات السباحة، وصالات الألعاب، دون الاقتصار على بناء الفصول الدراسية، كما هو حاصل في مدارسنا .

ومن خلال متابعتي لفعاليات برنامج "صيف المواهب" الذي أقامه مركز الدراسات والبحوث بمؤسسة "عمان" للصحافة، لاحظت إقبال المشاركين على الأنشطة، وميلهم إلى التعلم الذاتي، أكثر من تلقينهم النظريّات، والشرح غير المدعوم بوسائل الايضاح، وإيلاء  الجانب العملي، والدروس التطبيقيّة أهمّيّة،هذه البرامج من شأنها الكشف عن المواهب، ورعايتها ،واستثمارها بشكل أمثل، لكي تردّد معزوفات عربيّة  ، في قابل الأيّام، حين يتبختر الذهب على صدور أبناء العرب.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 7948 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.