الخميس , 9 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: مجالس أدبيّة عُمانيّة

= 1891

razaq(1)


للمجالس الأدبية دور كبير في تنشيط الحراك الثقافي، وهي تتميّز عن الأماسي الشعريّة ، والقصصيّة ،والندوات، والمحاضرات كونها تجمع كلّ ذلك تحت مظلّة واحدة، تسودها العفويّة، وغالبا ما تتّخذ شكل الجلسة التقليديّة التي تكون على شكل مربّع، أو مستطيل، وقد واظبت سنوات على حضور مجلس الدكتور عبدالعزيز المقالح الأدبي الذي كان يقيمه بمركز الدراسات والبحوث اليمنيّة في "صنعاء"، ويجمع العديد من الشخصيّات الأكاديميّة، والإعلاميّة العربيّة، واليمنيّة، وقبل ذلك كنت قد حضرت عددا من المجالس الأدبيّة البغدادية..

وأذكر إنّ من أبرز حضورها كان د.علي الوردي عالم الاجتماع العراقيّ المعروف، وقد عرفت السلطنة هذه المجالس، وأتيحت لي فرصة حضور بعضها، وجاءت هذه المجالس لتكون صورة من المجتمع العماني، وفي ذلك يقول الدكتور خميس بن ماجد الصبّاري"تجسّد المجالس العمانيّة عامة مظاهر السمت، والرزانة، والوقار، فأماكن القعود – غالبا – محدّدة، عن طريق العُرف العُماني، فكلّما ارتفع مقام الزائر علما، وفضلا، ورتبة ، كان أقرب مجلسا من صدر المجلس الذي هو محدّد أصلا لصاحب المجلس، في جوّ يسوده الوئام، والاحترام المتبادل"، وعادة ما تبدأ بالسؤال عن الأخبار، كما يشير الصبّاري، في كتابه" المجالس الأدبيّة في عُمان- مجلس السيد قحطان بن ناصر البوسعيدي أنموذجا"..

وإذا كان المقالح الذي اعتاد أن يجلس في مكان محدّد يعرفه جميع مرتادي مجلسه، يبدأ الجلسة بانتخاب أحد الحضور ليدير الجلسة، التي تفتتح بالشعر، إذ يطلب سماع جديد الحاضرين، إن جدّ جديد لديهم، بالدور حسب أماكن جلوسهم، فإن صاحب المجلس ،كما يذكر الصبّاري،"يتوجه بمباسطة ضيوف ليكسر حدّة التحفّظ، والوقار، فيبدأ بالحديث عن بعض اللطائف الأدبيّة،أو التعليق على موقف أدبي رائق قد حصل في المجلس،أو خارجه، وههنا يتفاعل معه الحضور،فيتوزّع الحديث بينهم بشكل عفوي"، وبعد تناول وجبة العشاء، والشاي، يتوجّه بالكلام إلى أبرز الحضور، أو من زار المجلس لأوّل مرّة، أو عاد إلى المجلس بعد مدّة انقطاع طويلة، للتعريف به، ثم يسأله"بماذا ستشنّف آذاننا اليوم يا أبا…"

ثمّ تتوالى التعليقات، والمناقشات، وتتخلّل ذلك فقرات عديدة هي جزء من العادات العمانيّة ، من بينها تناول الحلوى العمانيّة، وتعطير الضيوف في نهاية كلّ مجلس، وتكريم الحضور،في الغالب، بما يتوافر من هدايا تذكاريّة، ثم يتوجّهون إلى مصافحة صاحب المجلس، ويرافقهم إلى الباب مودّعا .

وبذلك يكون المجلس الأدبي العماني هو صورة مصغّرة من المجتمع بعاداته ،وتقاليده، وهي تقاليد متوارثة، دأب المجتمع على المحافظة عليها،يقول الصبّاري في مقدّمة كتابه" تعدّ المجالس الأدبيّة في سلطنة عمان نتاجا طبيعيّا للقيم الإسلاميّة المطهّرة ،والعلاقات الإنسانيّة الطيّبة،وتعبيرا صادقا عن العادات الاجتماعيّة العمانيّة الحميدة التي طالما تعلّق بها العمانيّون قديما، وحاضرا، فعاشوا معا أسرة متضامنة الوشائج، يجتمعون في مساجدهم، ومجالسهم على كلمة سواء، فينصتون للعلم، ويطربون للأدب، ويحترمون الرأي على بساط التسامح،والألفة"

ومن الملفت للنظر، فإن للمجلس نظاما أساسيّا، وضوابط يتوجّب على حضور المجلس مراعاتها،كما ورد في الكتاب، ومن بينها:أن يلتزم الجميع بالإنصات، والاستماع عندما يتحدّث أحد الحضور، وألّا يدير حوارا جانبيّا، ومن يرغب في الاتّصال هاتفيّا،أو الردّ على اتّصال وردّ إليه، فعليه أن يذهب خارج المجلس، وإذا رغب أحد الحضور في الانصراف قبل أوان انفضاض المجلس، فعليه أن ينسحب بهدوء دون استئذان، كيلا يشوّش على الآخرين، ولايجب الاستئذان بالإنصراف في أثناء إنشاد الحضور، كما يمنع التصوير،أو التسجيل إلّا بإذن.

وهذه الضوابط تعني أن للمجلس نظاما، واشتراطات خاصة للمنخرطين في أنشطته ،وهي بمثابة ضوابط تضاف للضوابط العامة المعروفة بين روّاد مثل هذه المجالس ، فتجعل لهذا المجلس ميزة على غيره من المجالس تعزّز ميزاته الأخرى ،وأهمها الإنفتاح الواعي للإفادة من كلّ جديد باستعمال بعض التقنيّات العصريّة الحديثة، التي توفّرها الأجهزة المتطوّرة، كما يشير الصبّاري .

إنّ الحاجة تبدو ماسّة لتفعيل أمثال هذه المجالس، تثمينا لدورها في الحفاظ على العادات،والتقاليد العمانيّة الأصيلة، وإثراء للمشهد الثقافي، وأن تنتهج مسلكا جديدا برؤية حديثة لرفد الحياة الثقافيّة، والعلمية في السلطنة ،ومناقشة قضايا التنمية، والتطوير لدعم صانع القرار بالكثير من الحلول والإجراءات غير التقليديّة لمواجهة العديد من الإشكالات والتحدّيات التي تشهدها الحياة المعاصرة على الأصعدة كافّة ،والقطاعات المختلفة .

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: وداع يليق بإنسان جميل

عدد المشاهدات = 2802 صدق المبدع مرسى جميل عزيز عندما قال : على طول الحياة.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.