الثلاثاء , 7 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب : ماذا تبقّى من العيد؟

= 1483

Abdul razak Rubaiy


مثلما جاء العيد محمّلا بسلال الأماني، مضى مخلّفا وراءه الكثير من تفاصيله مطبوعة في ذاكرتنا، والتي سرعان ما اختفت تحت غبار عواصف الحياة اليوميّة، ومشاغلها، ولأنّ تراكم تلك الأغبرة، يتعب الروح، نظلّ نحلم بعودة العيد، من جديد، ليقوم بعمليّة شحن اجتماعي، مانحا نفوسنا المرهقة فرصة للتجدّد، ومسح الأخطاء، وتنشط الزيارات، واللقاءات الثريّة بتبادل التهاني، والقبل، والمصافحات، والاجتماع على أطباق الحلوى، فيصبح العيد ممرّا لقضاء الحاجات، التي أهمّها حاجة الإنسان لأخيه، بعد أن كثرت المشاغل، وبعدت المسافات، وقلّت اللقاءات، وذلك لمشاركته الأفراح التي لا تكتمل إلّا بمشاركة الجماعة، وهي حاجة وجدانيّة، واجتماعيّة، وروحيّة، تظل ّ أساسيّة،

يقول الشاعر:
نروح ونغدو لحاجاتنا
وحاجة من عاش ما تنقضي
تموت مع المرء حاجاته
وتبقى له حاجة ما بقي

مضى العيد، وبقيت ثيابه معلّقة في خزائن الأيّام، ورحنا نطالع الصور التي التقطناها، رغم أنّ لصور العيد، أيّام زمان، مكانة خاصّة، فقبل ظهور كاميرات الديجيتال، كانت الأعياد مناسبات لالتقاط الصور التي نتسلّمها من المصوّرين، بعد انتهاء الأعياد، بالطبع، إذ أنّ تحميض الأفلام يستغرق وقتا، لكنّ النقلة التي حصلت في التصوير الفوتوغرافي بعد اختراع كاميرات الديجيتال، مرورا بكاميرات الهواتف النقالة، وليس انتهاء بـ«السيلفي»، جعلت هذه الميزة تتراجع، لتكون الصور موزّعة على كلّ أيّام السنة بالتساوي !!

 والأمر انسحب على القنوات التلفزيونيّة، فقبل ظهور البثّ الفضائي، كانت تلك القنوات تمضي أيّاما في إعداد برامج تليق بمناسبة العيد، تتخلّله عروض أفلام جديدة، وسهرات تلفزيونيّة، وحفلات غنائيّة، وموسيقيّة، أمّا اليوم فقد اختفت، نسبيّا، هذه الاستعدادات، وصارت البرامج التلفزيونيّة أيّام الأعياد، في معظم القنوات الفضائيّة، تكاد لا تختلف عن بقيّة الأيّام، إلّا في النقل المباشر لصلاة العيد، وبرامج الأطفال، والفواصل الإعلانيّة التي تنشط كثيرا، ولا يمكن إغفال إعادة عرض بعض المسرحيّات الكوميديّة التي أكل الدهر عليها وشرب !!

واختفت المعايدات الملوّنة، الأنيقة التي يحملها البريد، وصار المهنئون يكتفون بإيقونات ملصقة على حواف رسائل قصيرة بلا لون، ولا طعم، ولا رائحة سوى رائحة اسقاط فرض !

إنّ التغيرات التي حدثت في الحياة وضعت بصمتها على كلّ شيء، فانطبعت بها، فلم يعد ارتداء الملابس الجديدة ميزة تختصّ بها الأعياد، مثلما أصبحت كلّ الأوقات متاحة لتناول الحلوى، وذلك بفعل الطفرة الاقتصاديّة، التي حصلت في المنطقة خلال العقود الأخيرة.

ومن هذا كلّه نرى إنّ أعياد اليوم ليست هي أعياد الأمس، وعلينا الّا نتحسّر على تلك الأيّام، ف«لكل زمان دولة ورجال »، وأعياد، ولكلّ عيد نكهة، وهذا وسّع دائرة العيد، فمن الممكن أن نجعل الكثير من أيّامنا العاديّة أعيادا، لذا ينبغي أن نصنع أعيادنا، الخاصّة، التي تبقى مستمرة، لتظلّ حياتنا مليئة بالأفراح، والمسرّات، ووفق هذا المنظور، فلقاؤنا بإنسان عزيز هو عيد، يتجدّد كلّما يتكرّر اللقاء، والانتهاء من إنجاز مشروع هو عيد، كونه يحقّق درجة من الرضا عن الذات، المناسبات الشخصيّة كثيرة، وبإمكاننا أن نجعل من كلّ مناسبة عيدا، يضفي على حياتنا نوعا من البهجة، والتجدّد، وكلّ مناسبة تعطينا هذا الإحساس، هي عيد، وليس شرطا أن تكون تلك الأعياد معلنة، فمن الممكن أن تكون محصورة ضمن نطاق النفس، أو الدائرة القريبة منها، وتكون المشاركة محدودة، بحكم خصوصيّة المناسبة.

من الطبيعي أنّ العيد يكون أجمل، وفرحته أكبر كلّما كانت المشاركة أوسع، ولهذا نفرح حين نذهب للحدائق العامّة، في الأعياد، ونشاهد أكبر عدد من الناس يشاركوننا الفرحة، وننتظر حلول الأعياد الدينيّة، والوطنيّة لأنّها تتيح لنا فرحة جماعيّة تكبر دوائرها، ساعة بعد ساعة، فننتظر العيد بلهفة، ونحزن حين يمضي، فنعود إلى أنفسنا، لنقوم بعمليّة تنقيب عن أعيادنا الشخصيّة التي تصبّ في أنهار الأعياد الكبرى، تلك التي تطرّز أيّامنا ببهجة، نأمل أن تبقى طويلا.
—————–
* كاتب وشاعر عراقي مقيم بمسقط.
razaq2005@hotmail.com

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: وداع يليق بإنسان جميل

عدد المشاهدات = 557 صدق المبدع مرسى جميل عزيز عندما قال : على طول الحياة.. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.