الإثنين , 6 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: “عمران” بـ”ميك أب ” الحرب!

= 1147

Razak 2

 

إذا كان "حنظلة" الطفل الفلسطيني الذي جعله رسّام الكاريكاتير ناجي العلي أيقونة في لوحاته، بيديه المعقودتين على ظهره، وثيابه المرقّعة، وقدميه الحافيتين، كشاهد على الزمن الفلسطيني صورة من صنع المخيّلة، فإنّ "عمران" المجلّل بتراب الحروب، والصراعات، والقصف العشوائي الذي يطال المدن، والمدنيين الأبرياء، طفل سوري من لحم ودم، لا دخل للخيال في رسم صورته التي تظهر طفلا ألبسته الحرب ثوبا من التراب، والدم، والذهول، فلم يكن يستوعب ما يجري حوله، وماذا جرى لأسرته؟

 وعمران دنقيش ذو الخمس سنوات لا يستوعب أنّ القنبلة عندما تنطلق من فوّهة المدفع لا تفرّق بين ثكنة عسكريّة وبيت آمن، ولا بين تجمّع للجنود، وآخر لطابور صباحي لطلّاب مدرسة، ومثلما جعل الرسام ناجي العلي "حنظلة" بثياب مرقّعة أطلّت صورة "عمران" على العالم، وقد تناثرت بقع الدم على طفولته من جروحه النازفة، وإذا كان "عمران" لم يدر ظهره للعالم، كما فعل " حنظلة "، فإنّ ملامح وجهه لم تظهر، لأن التراب، والذهول كانا يغطيانه، بحيث لوشاهدنا صورا لوجهه بعد تلقيه العلاج لرأينا وجها آخرلـ"عمران" الذي تصدّرت صورته الصفحات الأولى من الصحف العالميّة، فتحوّل إلى ايقونة مثل "حنظلة"الذي صار إمضاء لناجي العلي،  صورة"عمران" ب"ميك أب" الحرب، ذكّرتنا بـ"إيلان" الكردي، وكلاهما سوري، لكن الأول بقي في بلده، فداهمه القصف الذي طال عقر طفولته، أمّا "إيلان"، فقد هرب مع الهاربين إلى "أوروبا" من جحيم الحرب، ليلق مصيره غرقا على سواحل تركيا، وقصّته معروفة، فظهرت صورته، منكفئا على وجهه، مديرا ظهره للعالم ، تماما كـ" حنظلة" ناجي العلي ، وكان يمكن لـ"عمران" أن يلقى المصير نفسه، لولا عمليات الانقاذ التي انتشلته مع أسرته من موت محتم  .

وبغضّ النظرعن مصدر القذيفة، إذ أنّ أطراف النزاع في سوريا صار كلّ طرف  يرمي الكرة في ملعب الآخر، مستخدما الصورة لخدمة برامجه، ضدّ خصمه، لكن لم ينكر أحد حقيقة الصورة، ولم يقل أحد إنّها " فوتو شوب"، وسوف تظل ماثلة في ذهني مثلما لازمتني صورة مشهد تشييع تلاميذ مدرسة "بلاط الشهداء" ببغداد الذين سقطوا ضحية صاروخ طائش سقط خلال حرب الخليج الأولى عام 1987، فقتل 34 طفلا، وحين كنت ذات يوم أسير في أحد شوارع بغداد مرّ موكب تشييع جنائز الأطفال الصغيرة الملفوفة بالعلم العراقي، ولصغر التوابيت طويت الأعلام عدّة طيّات، فالتفتُّ لصديق كان إلى جواري، وقلت له: انظر، لقد بدأت التوابيت تصغر، شيئا، فشيئا !

تلك النعوش الصغيرة، وأطفال" ملجأ العامريّة "الذين ماتوا حرقا عام 1991م بصاروخين أمريكيين استهدفا الملجأ الآمن، وصورة "إيلان" على شاطيء بودروم بتركيا، والفلسطيني محمد الدرّة الذي لفظ أنفاسه الأخيرة بين يدي والده، بعد أن ثقب الرصاص جسده الغض، وأطفال اليمن، وعشرات الذين شرّدوا، وقتلوا في الحروب الدائرة في مناطق أخرى من عالمنا، تؤكد إنّ الأطفال يدفعون ثمن صراعات الكبار، وحروبهم العبثيّة، وحسب احصائيات منظمة الأمم المتحدة، هناك أكثر من مليار طفل يعيشون في مناطق فيها صراعات، ومنهم ما يقارب الـ 300 مليون طفل دون الخامسة من العمر! 

وفي  حالة نجاتهم من الموت، فإنّهم لن ينجوا من حالات العوق التي تحدث بسبب الإنفجارات التي تحصد أرواح الأبرياء ، والمزوعة في حقول الألغام، وإذا تجاوزنا ذلك ، فإنّ الآثار النفسيّة التي تتركها الحروب في ذاكرة الأطفال، ليست قليلة ، فهي تجعل نومهم مضطربا ، ويشعرون بالفزع من الأصوات، إلى جانب الخوف من الظلام، وهذه لها انعكاسات سلبيّة على تكوينهم النفسي، وبنائه مستقبلا ، وستبقى تلك المشاهد، والصور ترافقهم سنوات طويلة، فتساهم في تشكيل شخصيّات عدوانيّة، وهو أمر غير خاف على الجميع، ولشعور المجتمع الدولي بخطورة ذلك، فإن اتفاقيّات جنيف لعام 1949 وضعت سلسلة من القوانين التي تولي الأطفال حماية خاصة، هذه القوانين هي ملزمة للدول، والأطراف المتصارعة، فحماية الأطفال، إن نشب نزاع في منطقة من العالم، واجب أخلاقي، وإنساني، وقانون دولي، ومن هنا فإنّ صورة "عمران" بذهوله، وترابه، ودمائه،  اختصرت الكثير من الكلام الذي يقال عن حال الأطفال في زمن الحروب .  

 

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 12872 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.