الثلاثاء , 30 أبريل 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: على خطى جولي، وبراد بيت!

= 1470

raza

 

اعتاد صديقي أن يحجز خلال أسفاره على متن الخطوط الجويّة، في الدرجة الأولى، أو درجة رجال الأعمال، كنوع من "البرستيج"الاجتماعي الذي اعتاد عليه منذ أن بدأ مزاولة أعماله التجاريّة، لكنّه مع الأزمة الاقتصاديّة التي يمرّ بها العالم قرّر اعادة النظر في إنفاق لا مبرّر له، خصوصا في الرحلات القصيرة، لاسيّما، وهو ما زال يتمتّع بالشباب الذي يجعله لا يعاني أيّة مشكلة صحيّة توجب عليه أخذ قسط من الراحة في تلكما الدرجتين.

والأمر لا ينفرد به صديقي، فركوب الدرجات السياحيّة، ثقافة بدأ يروّج لها المشاهير، ونجوم السينما، كالنجمين انجلينا جولي، وبراد بيت اللذين قاما ، ذات يوم، بالسفر مع أطفالهما الستّة على مقاعد الدرجات السياحيّة، من الولايات المتّحدة إلى باريس، ولم يركبا طائرة خاصّة، ولا الدرجة الأولى، وكما نقلت وكالات الأنباء أنّ النجمين مع الأطفال "بدوا كعائلة بسيطة، وعاديّة ككلّ المسافرين، وهم ينتظرون دورهم للتحقّق من جوازات سفرهم قبل ركوب الطائرة"، بل إنّهما حملا حقائبهما بنفسيهما، ووضعاها في الأمكنة المخصًصة، وانتظرا مع المسافرين ساعتين قبل ركوب الطائرة، علما بأنّ الدرجات السياحيّة تبدو للبعض أكثر متعة، واختلاطا بالناس من سواها، كما لاحظنا بشكل أوضح في القطارات، إذ تضجّ الدرجات السياحية بالحركة، وهذا ما نجده شائعا في العالم الغربي، الذي يميل إنسانه إلى البساطة في الحياة، وعدم الاسراف، لذا يركب، حتى كبار المسؤولين، هناك المواصلات العامة في تنقّلاتهم، وقد حدّثني صديق عن سفير دولة أوروبية تزامن سفره معه على الرحلة نفسها، التي كان على متنها، وحين وصلا، وجد صاحبي بانتظاره سيّارة فخمة، بينما واصل السفير سعادته بركوب "المترو"!

لقد أعجبتني الروح الايجابيّة في تعاطي صديقي الأوّل مع المتغيّرات التي نعيشها حاليّا، فلا نعمة تدوم، والأحوال في تبدّل، والدنيا يوم لك، ويوم عليك، وكما قال أبو البقاء الرندي في رثاء الأندلس:

 

هي الأيّام كما شاهدتها دول

 

من سرّه زمن ساءته أزمان

وعلى الجميع أن يحتاط، لمثل هذه الظروف، بكلّ ما أوتي من قوّة، وصبر، ووسائل لذا يتوجّب الاستغناء عن الإنفاق غير الضروري، وترشيد استخدام الإنارة الكهربائيّة، وركوب المواصلات العامّة توفيرا للبترول إن أمكن، وكذلك استهلاك الموارد المائيّة، وأذكر إنني ذات يوم كنت في جلسة جمعتني بأصدقاء، وحين قدّم لي ماء معبّأ بكوب بلاستيكي، ولم أتمكّن من شرب جميع ما في الكوب، إذ بقي في قعر الكوب قليلا، فسكبته على أرض إسفلتية، ورميت الكوب في مكبّ النفايات، فلاحظ أحد الأصدقاء الذين كانوا يشاركونني الطاولة، ما فعلت، فاقترب من أذني وهمس" ما كان عليك أن تدلق الماء الفائض عن الحاجة على الأرض "،  قلت له " وماذا تريدني أن أفعل به؟"، أجاب: " يمكنك أن تروي به أعشاب الحديقة"، وأشار إلى الحديقة المجاورة لمجلسنا، فاعتذرت عن تصرّفي كونني فرّطت بثروة من ثروات الطبيعة، التي ينبغي عدم رميها كما فعلت حين دلقت المتبقي من ماء في قعر الكوب على الأرض.

إنّ نعم الله وجدت على الأرض للاستفادة منها، وليس للتفريط بها، والتخلّي عن المظاهر البراقة، ضرورة تمليها، قبل الظروف، الأديان التي دعتْ إلى الزهد في الحياة، والتقشف، والاكتفاء بضرورات الحياة في الملبس، والمأكل وكما جاء في القرآن الكريم " وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنّه لا يحبّ المسرفين "(الآية 31 –الأعراف)،  وقد ذمّ الله تعالى في كتابه المبذّرين بقوله" إنّ المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربّه كفورا"(الآية27-الإسراء)، وعاقبة التبذير الندم، والتحسر، وبذلك ينبغي مراعاة الاعتدال، والتفاعل مع المتغيرات، وعلينا اطفاء المصابيح، وأجهزة التبريد عند مغادرتنا الغرف، والقاعات، ترشيدا للاستهلاك في الطاقة الكهربائيّة، وأن نكتفي بالضرورات، كما فعل صديقي حين ترك الدرجة الأولى، وصار يسيح في الأرض على مقاعد الدرجات السياحيّة، كما تفعل انجيليا جولي، وبراد .

  

 

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 8515 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.