الخميس , 2 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: طرابيشي..كآبة الفيلسوف الحر!

= 1679

razaq(1)


بهدوء، طوى  الموت الصفحة الأخيرة من كتاب المفكّر جورج طرابيشي وأقفل باب عزلته التي أمضى معها سنواته الأخيرة،بعيدا عن ضجيج الحياة،  بعيدا عن الحياة العامّة ، لأسباب عديدة لعلّ في مقدّمتها ما آلت إليه أوضاع سوريا بلده الذي درج على ترابه، وجاء  كتاب الدكتور وليد محمود خالص "لو كان فولتير عربيا؟" الذي صدر عن مؤسسة بيت الغشام ، لينصف هذا الرجل، وبه تفصيل للجهود التي قدّمها طرابيشي للثقافة العربية، الذي يعد من أهم المفكرين العرب المعاصرين، وقد عرفت آراؤه بالجرأة والرصانة لعل أبرزها  ردوده على كتاب الدكتور محمد عابد الجابري "تكوين العقل العربي " التي أنفق في كتابتها حوالي ربع قرن كتب خلالها " نظرية العقل "و" إشكاليات العقل العربي" و" وحدة العقل العربي الإسلامي "و" العقل المستقيل في الإسلام" و"المعجزة أو سبات العقل في الإسلام "  وله جهوده في الترجمة من خلال ترجماته للكثير من الكتب من بينها "تاريخ الفلسفة"في 8 مجلدات و"الإنسان ذو البعد الواحد" لهربرت ماركوز و"الفوضى والعبقرية" لجان بول سارتر و"المدخل إلى علم الجمال" لهيجل  و"محاضرات في تاريخ الماركسية" لريازانوف ومؤلفات كثيرة لسيجموند فرويد وقد وجدت في إرسال ثلاث نسخ من الكتاب لمقره بباريس ووصول رسالة شكر رقيقة منه فرصة للسؤال عن الحال ؟ وما آلت إليه ظروف الكتابة  ،فأجابني  "ألا كم اتمنى لو استطيع  العودة الى النقد الأدبي، ولكن القلم مشلول بسبب الألم السوري ، عن الكتابة  تماما، ولا أدري هل هي أزمة نفسية خاصة؟  أم موضوعية  مرتبطة بأحداث الجحيم العربي الذي تمخض عنه سراب الربيع العربي؟"

لقد كان لقائي الأوّل بالمفكّر جورج طرابيشي بمسقط ، حين حلّ ضيفا على صالون"أثير-السبلة سابقا-الثقافي " ليقدم محاضرة على قاعة عمانتل بالموالح حول تجربته بنقد النقد بمشروع محمد عابد الجابري، ويوم وصوله دعانا الإعلامي موسى الفرعي  على دعوة غداء في "الشنغريلا" كان من بين المدعوين لها د.وليد محمود خالص الذي قدم من مقرإقامته في العاصمة الأردنيّة عمّان للقاء طرابيشي ،وحضور محاضرته ، وطالت الجلسة ، التي جرت خلالها مناقشة شتّى القضايا ، وكان طرابيشي مصغيا ،أكثر منه متكلّما، سائلا أكثر من كونه مجيبا ، يومها دهشت عندما رأيت تواضعه، وبساطته وإصغاءه لكل كلمة تقال في الجلسة، وكان حين يطرح رأيا يعتذر مسبقا للحاضرين، ويؤكد إنّماسيقوله ليس أكثر من  رأي شخصي ، وحين سألته عن زيارته  قال " ما أن وطأت قدمي أرض عمان حتى وجدت إنني كنت موجودا قبل ذلك، وهذا شعور يغني الكاتب والباحث الذي يسعى أن يصل الى القاريء "، مضيفا  "أنا سعيد بوجودي بعمان التي لها خصوصيتها وتجربتها التي تميزها عن البلدان العربية وحين تلقيت دعوة صالون  سبلة عمان الثقافي لالقاء محاضرة زرت الموقع، وأدهشني حضوري به رغم عدم مساهمتي به، لأنني  ممتنع منذ أكثر من عشر سنوات عن تلبية الدعوات نقلت الخبر لزميلة لي وكنت بباريس فقالت: سترى أجمل شعب بالعالم وهذا ماوجدته "

وحين سألته :لماذا ترفض تلبية الدعوات طوال تلك السنوات ؟ أجاب" مللا وشعورا بلاجدوى المؤتمرات في العالم العربي ، إذ سبق لي أن شاركت بالعشرات منها وشعرت أنها كلها مظاهر خارجية، ونادرا ما يتمخض عنها عمل جدي، وكنت أتمنى أن الأموال التي تنفق على هذه المهرجانات لو تنفق في اصدار المجلات، والكتب لكانت أكثر فائدة "

ومع ذلك  لم يتوقّف تماما عن الكتابة ، إذ نشر عدّة مقالات في "أثير" كان آخرها مقاله"ست محطّات في حياتي" ، وقبل شهور ذكر لي برسالة خاصة" أنا منهمك الآن، وعلى سبيل التعويض النفسي، في مراجعة ترجماتي لأعمالفرويد الذي كنت ترجمت له اكثر من ثلاثين كتابا ، إلى جانب  أعمالي النقدية الكاملة  التي صدرت في  3 اجزاء ضخمة "

واليوم غادرنا  طرابيشي بهدوء،  مثلما عاش سنواته الأخيرة التي غلّفت حياته  خلالها سحائب الأحزان على سوريا الجريحة، فتذكّرت بيت الجواهري:

وللكآبة ألوان وأفجعها

أن تبصر الفيلسوف الحرّ مكتئبا

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 10270 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.