الإثنين , 6 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: ثالث أيّام الإجازة!

= 1324

Abdul razak Rubaiy


أمضيت سنوات عديدة من عمري في الدراسة، والعمل ، وخلالها لم أكن أعرف من الإجازة الأسبوعيّة غير يوم واحد هو الجمعة ، وفي مطلع التسعينيّات بدأنا نسمع عن إجازة اليومين ، وكانت الخميس والجمعة ، وحين جرى إقرارها في الكثير من الدول العربيّة، مع زيادة ساعة عمل على بقيّة أيّام الأسبوع الخمسة ، لاقت ترحيبا كبيرا من قبل العاملين، ورأوا فيه فرصة لزيادة الترابط في العلاقات الأسريّة، وقضاء إحتياجات الأسر ، ممّن يحول الإستغراق في العمل دون إعطائها جانبا من الرعاية والإهتمام.

 وفي المقابل ،فإنّ المهتمّين رأوا إن إجازة اليومين لها انعكاسات إيجابيّة على مستوى الإنتاج ،والأداء الوظيفي، وتخفيف الزحام في الشوارع، والإقلال من حوادث السير ،إذ أنّ إجازة اليوم الواحد كانت تجعل الكثير من العاملين يسرعون في قياداتهم للسيارات من أجل الوصول إلى مقارّ إقامتهم الأصليّة بأسرع وقت لضيق الوقت المتاح للتمتّع بإجازة أسبوعيّة كافية ، بخاصّة أنّ يوم الجمعة هو يوم عبادة ،واسترخاء ، وقراءة القرآن الكريم، والأذكار، ومراجعة الذات، وقضاء المشاوير العائليّة الخاصّة.

لذا، فإن إقرار إجازة اليومين، جاء تلبية لحاجة ضروريّة، من أجل الراحة، وقضاء وقت أطول مع العائلة،والذهاب في رحلة لمكان سياحي ، إن أمكن ذلك، رغم أنّ البعض، من الذين يعملون في مجالات الإبداع، يكتفون بيوم واحد ، يبتعدون خلاله عن أجواء الكتابة، والقراءة ، والإتصالات ،فيما يواصلون عملهم ، ولو بوتيرة أخفّ ، وليس شرطا من مركز العمل ، بل من المنزل ، أو من أجهزة "اللاب توب" الشخصيّة، وإذا اقتضى الأمر ،فلا بأس من المرور سريعا بالمكتب، وذلك  استثمارا للوقت، وتخفيفا عن كاهل بقيّة الأيّام، كما أفعل كلّ سبت.

ويبقى في النهاية إننا لم نعتد الاستفادة من إجازتنا الأسبوعية بشكل أمثل، بل إنها تمثّل بالنسبة للبعض معضلة،عكس العاملين في بلدان الغرب، إذ اعتادوا أن يضعوا جدولا تكون مفرداته معروفة لكل أفراد الأسرة ، قبل حلول إجازة نهاية الأسبوع،فضلا عن الإجازة السنويّة التي يمضونها في السفر، والإستمتاع ، أمّا نحن، فلاتزال الإجازة مناسبة للإبتعاد عن أجواء العمل فقط، فنمضيها في الإسترخاء أمام التلفاز، وتبادل الأحاديث المكرّرة في الهاتف مع أصدقاء العمل، وتتركّز تلك الأحاديث حول هموم العمل، وبذلك تعاد طرفة الشرطي الذي أخذ إجازة من عمله، ولأنه لم يجد شيئا يفعله جلس في مقهى أمام مركز الشرطة الذي يعمل به!

لذا، فوجئت بخبر نقلته الـ(CNN) يدعو لتقصير أسبوع العمل، لتمتد الإجازة إلى ثلاثة أيام، ففي هذا فائدة  لصحّة الإنسان الجسدية، والذهنية، ولم يأت هذا الخبر من محبّي الكسل، وكارهي النشاط، والعمل ،  بل من باحثين، وخبراء ، يعملون في مجالات الطب، وعلم النفس، فالعمل لساعات طويلة يؤدّي إلى "الإرهاق الذي يجعل الشخص أكثر عرضة للسلوك العصبي"، كما أشارت تلك الأبحاث مستدلّة بحدث جرى، بحلول القرن التاسع عشر بأوروبا، فبعد أن كان العمّال يقضّون، يوميا، في المصانع  أكثرمن 15 ساعة، جرى إقلال ساعات العمل، لتصبح 8 ساعات، وفوجيء أصحاب العمل بزيادة الإنتاجية !

هذا الحدث جعل أرباب العمل يعيدون النظر في عدد الأيام  التي يقضيها العمّال في مزاولة أعمالهم، فرأوا ضرورة أن يأخذ العامل قسطا وافرا من الراحة، لتزيد انتاجيته، وهكذا صار العمال يتمتّعون بإجازة سنوية جيدة، يستطيعون خلالها أن يسافروا مع عوائلهم، ولو فرضنا أن الإجازة أصبحت ثلاثة أيام، مع زيادة ساعة واحدة على ساعات العمل الثماني ألا يظهر من ينادي بضرورة إقلال ساعات العمل لتزيد الإنتاجيّة ؟ مع إدراكنا أنّ "إرضاء الناس غاية لا تدرك"!، خصوصا في مسائل الإجازات ،والإسترخاء !

وحتى لو قبل العاملون في مناطقنا العربيّة بالساعة الإضافيّة ، مقابل إضافة يوم واحد لإجازة نهاية الأسبوع التي ستبدأ في هذه الحالة من منتصفه!! هل لديهم  القدرة على العمل بشكل متواصل لمدة 9 ساعات في اليوم ؟

تساؤلات عديدة يمكن أن تطرح في هذا المجال، ولكن قبل تعميم التجربة ينبغي معرفة المزايا، والعيوب، والأخطاء،والمردود،والأداء،وهذا يكون باختيار مؤسسات للتطبيق مع توقّعاتنا بأنّ اليوم الثالث قد يسحب خلفه يوما رابعا لمن لا يحبّون الأرقام الفرديّة، ورحم الله أيّام إجازة اليوم الواحد !

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 13471 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.