الإثنين , 6 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب: أحزان «نادية» في «قرن الجارية»!

= 1812

Abdul razak Rubaiy


حكاية «نادية» الايزيدية المؤثّرة التي روتها لأعضاء مجلس الأمن في اجتماعه الأول لبحث قضية الاتجار بالبشر، تستحق أن تتحوّل إلى عمل درامي، ينبّه إلى ظلم الإنسان لأخيه الإنسان عندما تنتزع الرحمة من قلبه، وبخاصّة حين يكون فريسة للجهل، والأطماع، والشهوات، في عالم يمضي، روحيّا، نحو الهاويّة، وللأسف أنّ هذه الانتهاكات تحدث باسم الدين !!

لقد تحدّثت «نادية مراد» التي قتل المتشدّدون «الدواعش» أخوانها الستة، قبل أن يأخذوها سبيّة، تباع وتشترى، عشرات المرّات، في سوق النخاسة، بكل خسّة، عما جرى لها، ولقريتها التي قتل فيها أكثر من 700 رجل في ساعة واحدة، من انتهاكات على أيدي المتشدّدين الذين اقتادوها مع مجموعة من النساء الأيزيديات، فتعرّضت لاعتداءات جسديّة، لكنّها لم تستسلم، فظلّت تبحث عن سبل للخلاص حتى نجحت بالفرار، بعد ثلاثة شهور من المعاناة، ووصلت إلى المانيا لتروي للعالم حكايتها، بكلّ شجاعة، هذه الحكاية الموجعة التي أبكت أعضاء مجلس الأمن لا يمكن أن تفلت من صنّاع الدراما، التي من واجبها الوقوف مع قضايا الإنسان، ضد كلّ ما يمسّ كرامته، في المعركة الأزليّة القائمة بين الخير، والشر، إلى أن يرث الله الأرض، ومن عليها.

 وخلال مشاركتي في مهرجان المسرح العماني السادس الذي أقيم بنزوى شاهدت عرضا قدّمته فرقة «الدن» للثقافة والفن ناقش استفحال ظاهرة الإرهاب، وعلاقة الجماعات المتطرفة بالمرأة إذ تتشابه تلك الجماعات في النظرة لجسد المرأة، كما جرى لـ(غزالة) بطلة العرض الذي كتبه وأخرجه الفنان محمد خلفان الهنائي، فنال جائزة أفضل عرض متكامل في المهرجان،وأفضل إخراج، من خلال حكاية فتاة قتل تنظيم إرهابي زوجها، وظلت تلاحق القاتل باستدراجه إلى موقع الجريمة في «قرن الجارية» وهي «تلة صغيرة في سمائل، نسجت عليها حكاية شعبية متداولة تتحدث حول مزارع، قدم من مكان بعيد، كما ورد بالنصّ «وتزوج من تلك القرية، واستوطنها،لكنه قتل من قبل جار له، ولم يثأر له أحد لعدم وجود أهل له ولأنه أنجب فتاة وحيدة، كبرت الفتاة، وحين علمت بحكاية قتل أبيها ظلت تلاحقه وتراوده حتى واعدها على اللقاء أسفل التلة على أن يصعدا إلى الكهف معا، سابقته متحدية شيبته، وصلت إلى الكهف قبله، ووصل منهك القوى، دفعته إلى أسفل الجبل ورمته بالحجارة حتى مات».

وفي ذلك استدعاء لفكرة الثأر ووضعها على سطح المشهد الاجتماعي في القرن الواحد والعشرين، وهو أمر يخلّ بمبدأ التطور الحضاري، ففي فكرة الثأر تأصيل الخروج على دولة القانون,كما إن الحقد التراكمي يناقض فكرة التصالح مع الذات والمجتمع، لكنّ الهنائي، بحسّه التجريبي، وظّف الحكاية الشعبيّة توظيفا واعيا ليجعل من «غزالة» صوت الضمير الإنساني الذي يسعى إلى تحقيق العدالة،ومحاسبة الجناة، وهذا ما فعلته «نادية» التي طالبت مجلس الأمن بالعمل على محاسبة الإرهابيين الذين يتاجرون بالبشر، وينتهكون حقوق النساء، والأطفال.

وقد أشرتُ في الندوة التطبيقيّة التي أعقبت العرض إلى أن المسرح العماني لم يقف منعزلا عمّا يدور في المنطقة، رغم أنّ السلطنة بعيدة عن شرور الإرهاب، لكنّ الفنّان العماني خرج من الفضاء المحلي إلى المحيط الإنساني العام، لأنّه جزء منه، ينتمي إليه، ويتفاعل معه، ويقترح حلولا، ويثير أسئلة حول العديد من القضايا الإنسانيّة، ومنها قضيّة الإتّجار بالبشر، والانتهاكات التي تتعرّض لها النساء في المناطق التي تسيطر عليها الجماعات الإرهابيّة، إذ ينظر إليهن كجسد، وقد قدّم عرض» قرن الجارية «مشاهد تعبيريّة مؤثّرة بواسطة الأداء الحركي، أدّتها المجاميع،التي تحاول افتراس»غزالة» بكلّ ما فيها من شهوات دنيئة، ووحشيّة،، عكست تلك النظرة، وهذه قضيّة تمسّ الكرامة الإنسانيّة، فكّلنا لآدم «وآدم من تراب» لذا بكى الذين استمعوا إلى حكاية «نادية» الشجاعة التي ثأرتْ لبنات جنسها ضدّ وحوش العصر، كما فعلت «غزالة» حين وقفت فوق تلّة «قرن الجارية».

—————
razaq2005@hotmail.com

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 13268 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.