الخميس , 2 مايو 2024

عبدالرزّاق الربيعي يكتب:(زهراء القصر)..قراءة الماضي دراميا

= 3740

في كتابه المسرحي” زهراء القصر” يقف الكاتب سمير العريمي عند عتبتين من عتبات التاريخ العماني، مستوحيا منهما مادة درامية لنصين هما (زهراء سقطرى)، و(قصر جبرين)، وفي كلا النصين أكد أن ما كتب ” ليس توثيقا تاريخيا للأحداث بل عملا فنيا يمتزج فيه الواقع التاريخي بخيال الكاتب” كما جاء في مقدمة (قصر جبرين)، وقد ذكر المراجع موثقا لعمله ، ولم يتنكر لاشتغال المخيلة، ولم يدّع في (زهراء سقطرى) التوثيق “للحدث المعروف عن نجدة الإمام الصلت بن مالك الخروصي لجزيرة سقطرى ..بقدر مقاربتها لتلك الواقعة فنيا بالاتكاء على عنصر الخيال المسرحي وإسقاطاته المتعددة الأوجه على واقعنا العربي المعاصر”، فلم يبتعد كثيرا عن التاريخ، ولم يطلق العنان للمخيلة، بل حاول امساك العصا من المنتصف، ومن البديهي أن قراءة مثل هذه النصوص يجب أن تكون على عدة مستويات: الحدث التاريخي، و الرمزي، و الحدث الحاضربما تحمله من دلالات وإسقاطات على الواقع الراهن.

وقد سبق لي أن شاهدت (زهراء سقطرى) مجسدا على قاعة مسرح الشباب وكان من اخراج د.عبدالكريم جواد وأداء مجموعة كبيرة من الفنانين جسّدوا النص المستند على واقعة تاريخية تتمثّل بهجوم الاحباش على (سقطرى) عندما كانت تابعة لعمان، وقتلهم الوالي العماني واستباحتهم حرمات أهلها، ولم تجد مقاومتهم نفعا، فاستعانت الشاعرة (الزهراء) بالامام الصلت بن مالك الخروصي مستغيثة بقصيدة حين سمعها أرسل سطولا من ثمانين سفينة فحاصر الجزيرة، وأنزل الهزيمة بالمعتدين، وبالطبع أدخل الكاتب خطوطا عديدة لتقوية الفعل الدرامي في الواقعة التاريخية مصورا الحياة اليومية في (سقطرى) وما كانت عليه قبل غزو الأحباش من جانب، وما كان يدور في قصر الامام العادل الصلت الذي حقق لشعبه الأمن والاستقرار، (فالملثمون) يمثلون خط المقاومة الشعبية ذات الحس الوطني الفطري، كبدوا الأحباش خسائر فارحة، وزعزعوا وجودهم وأقلقوا قادتهم، حتى وقعت (الزهراء)، حسب رؤية المؤلف، في أيدي الاحباش وجرت محاكمتها أمام أهل الجزيرة بحضور والدها وبدلا من الحكم عليها بالاعدام عرض عليها قائد الاحباش الزواج منها، فما كان من الزهراء الا أن بصقت في وجهه، فصفعها، وهنا اطلقت صرخة مدوية( واصلتاه) لتسعى الى الاذهان مدوية المرأة العربية التي اعتدى عليها جندي من جنود الروم في (دمشق) زمن الخليفة العباسي المعتصم فصرخت وامعتصماه!!فجاءها بجيش جرار ملبيا نداءها، فالقصيدة التي أنشدتها (الزهراء) كانت معادلا للصرخة وشظية رمزية ربطت حدثين في مشهد واحد تعددت فيه الدلالات.

وقد حرص العريمي في النص الثاني( قصر جبرين)على وضع عنوان ثانوي هو(مأساة بلعرب بن سلطان) ليضعنا في قلب (تراجيديا) دونها التاريخ العماني كان مسرحها (قصر جبرين)

وقد لجأ الكاتب إلى البناء الدائري، فبدأ مسرحيته بمشهد احتضار الإمام بلعرب مردّدا:
أتعبت نفسي في عمارة منزلي
زينته وجعلته لي مسكنا
حتى وقفت على القبور فقال لي
عقلي ستنقل من هناك إلى هنا

وتنتهي المسرحية بالمشهد ذاته، وبين المشهدين تتحرّك حركة النص عند الإنتهاء من بناء القصر، وابتهاج الإمام به، وثناء الشعراء على القصر ، وبنائه العظيم ، ما احتواه من روائع، وفي الجانب الآخر يسلط الكاتب الضوء على الذي يدور خارج القصر من تذمر شقيق الإمام سيف الذي يرفض اتفاقية السلام مع البرتغاليين التي أبرمها الإمام، وفتح وكالة تجاريّة في مسقط، منتقدا نهجه السلمي، وانصرافه إلى العلم والعمران، والأدب، ويستاء البعض لانتقال الإمام للعيش من نزوى إلى قصر جبرين، ويصل الاستياء إلى قيام شقيقه سيف بشق عصا الطاعة ونقضه البيعة، والخروج عليه بجيش، ومحاصرته في قصره، فيتألم الإمام لما جرى فيصلي داعيا الله أن يقبض روحه إن كان في ذلك حقنا للدماء، وبعد حين يسلم الروح ، ويدفن داخل القصر، وسوى هذا الحدث توجد خطوط أخرى كخط زوجة الإمام(مثلى) التي تظهر بالمشاهد:الثالث، و الخامس والسابع، وتموت بعد وضع ولده(يعرب)، لتتوالى عليه المصائب ، وهي شخصية متخيلة، وقد أدرج اسمها ضمن قائمة بالشخصيات المتخيلة فيما وضع قائمة بالشخصيات التاريخية، التي من بينها شخصية الشاعر راشد بن خميس الضرير الذي رباه الإمام وعلمه، فيحفظ له الود، ويقول فيه الأشعار، كما نرى في المشهد الثالث، وراجح المجنون، وهو الشىء نفسه الذي فعله في مسرحية(زهراء سقطرى).

النصّان محاولة جادة للإستفادة من أحداث الماضي، وتوظيفها على المسرح، للإستفادة مما فيها دروس، وعبر.

شاهد أيضاً

وفاء أنور تكتب: حكاية العم “رجب”

عدد المشاهدات = 3555 أبطأت خطواتنا وهدأت من سرعتها اضطرارًا، اضطربت حركة أقدامنا المثقلة متأثرة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.