الإثنين , 29 أبريل 2024

عبدالرزاق الربيعي يكتب: صندوق “ليلى” ..رسائل في المحبة

= 1448

razaq(1)

 

"من نافذة غرفتي أرى سحر الفجر ،صورة في منتهى الإبداع،فما أكثر أسرار الكون !
وما أصغر النافذة!"
بهذه الكلمات تبدأ الكاتبة الشابة  "ليلى عيسى" رحلتها في كتابها الثاني "رسائل ليلى" الصادر في مسقط بورق صقيل، واخراج أنيق يستمد أناقة تصميمه وألوانه من أناقة الكلمات  التي ادرجتها تحت ثلاثة عناوين هي :الحب ،العمل،التأمل، وتتفرع إلى عناوين أخرى أفردت لكل عنوان صفحة،متفاوتة في عدد سطورها وكلماتها ، فهي أحيانا تحتوي صفحة واحدة على  سطرين كرسالتها في"المحبة" التي جاء فيها "ماذا يمكن أن نهب الأرض غير الماء لتزهر الأوراق،هكذا
هي المحبة، وفي سطر واحد "عليك أن تثق أن السماء سترد صدى أمنياتك يوما ما"،وأحيانا تملأ صفحة من الكتاب،  وإذا كانت في مقدمة الكتاب الصادر في مسقط -لا يوجد ذكر لاسم المطبعة-
تشير ليلى عيسى إنها أدمنت كتابة الرسائل للمسافرين،والغرباء ،والمنفيين ،والأصدقاء في كل بقاع الأرض، وتقول" بدأت شغف كتابة الرسائل منذ المراسلات الأولى بين الناس ،استخدمنا صندوق البريد الأصفر ،حيث كان الصندوق وساعي البريد هو جسر التواصل والاتصال الأول لكل من نرغب بالكتابة لهم ،ولتبادل معهم شيئا من الفكر والكتب وأشياء أخرى"

وليلى حين تكتب "رسائلها" ،فإنها لاتضع ماتكتب تحت تصنيف معين، ولايشغل تفكيرها أن يشار لها بالبنان، ولا تريد من الكتابة شيئا غير التعبير عن مكنونات ذاتها، وأقصى ما تحلم به هو توصيل ما تود البوح به للدائرة القريبة،من زملائها وزميلاتها كما فعلت في كتابها الأول "مذكرات طالبة جامعية " الذي تضمن مذكرات من واقع تجارب عاشتها خلال دراستها الأكاديمية حين درست الإدارة والتسويق في الجامعة العربية المفتوحة،وبدلا من أن تجعل المخطوطة تنتقل بين ايدي زملائها وزميلاتها ،فإنها تقوم بطباعة مدونتها على حسابها الخاص دون أن تنتظر ثناء أحد.

وقد يخيل للقارىء أنه حين يفتح الكتاب سيتدفق من صفحاته ينبوع الرسائل، التي تخاطب بها شخصا معينا ،أو عددا من الأشخاص برسائل متعددة، كما تصورت حين تجولت بنظري في صفحاته الأولى ، لكنه سيفاجأ بأنه لن يجد غير جمل،وسطور غير موجهة لشخص بعينه،بل موجهة للجميع،وهنا تتأطر الرسالة بإطار رمزي، وتدخل حيز المجاز،فالرسائل هنا هي إشارات تأملية تبثها للمتلقي جاءت على شكل جمل قصيرة، وتأملات أقرب ما تكون إلى الخواطر،رغم انطواء بعضها على طاقة شعرية ،

لاتكاد تطفو على السطح حتى تكبحها، فتبقى يتيمة بين ركام الجمل :
في رحلة الحياة
زين غرفة قلبك بالحب

وتاتي الجمل أحيانا على شكل معادلات موزونة ،تبدأها بفرضيات ،وتنهيها بحلول،فتكون اقرب إلى المعادلات الرياضية التي تنتهي بنتيجة منطقية،تخلو من المفارقة التي هي مرتكز من مرتكزات  العملية الشعرية:
الصيف يشتد حرا
الطير يشتد عطشا
وعاء صغير
يمد مغردا جميلا
خارج النافذة
شيئا من الحياة

وبدون مقدمات لفظية تمهيدية تدخل "ليلى"في صلب الموضوع ،فتوجه خطابها إلى القارىء بشكل مباشر، فتقول"عليك أن تثق أن السماء سترد صدى أمنياتك يوما ما"، وتقول في تمجيد الصمت، والخلوة  "يحدث أحيانا أن يكون الصمت أقوى من أي لغة ،ومن يحبك يسمع صمتك ،زيفهم لغتك وحاجتك للخلوة مع نفسك في أحيان كثيرة، تلزمك الآن جلسة خاصة جدا برفقة نفسك".

وتحت عنوان "من جدار السجن للأبجدية" تتحدث عن الكاتب محمد شكري الذي "تذوق الفقد،والجوع،والتشرد لكنه "بالعمل وحده تمكن من نقل حياته من قعر الفقر إلى منصة الأدب والشهرة".

وفي كل ذلك،فإن مادونته ليلى عيسى في كتابها "رسائل ليلى" هو أقرب ما يكون إلى الخواطر،والتوجيهات،والنصائح،والارشادات التي توجه للفتيات في سن مبكرة،وربما لهذا السبب وضع الناشر صورة طفلة عمانية على الغلاف الأمامي.

وقام بتكرار ها على الغلاف الأخير، وقامت الكاتبة بجمعها، ووضعها بين دفتي كتاب أرادت له أن يكون  صندوق رسائل ،وإذا كان صندوق "باندورا"،حسب الاسطورة اليونانية،قد امتلأ بالشرور،والأمراض، والمصائب التي انتشرت في الأرض بعد أن فتحته "باندورا"، فإن صندوق ليلى ليس به سوى كلمات تدعو لنشر المحبة،والجمال، في عالم يتآكل روحيا.

شاهد أيضاً

داليا جمال تكتب: فجوة بين الشباب ورجال الدين

عدد المشاهدات = 6884 منذ فترة طويلة وانا اشعر بوجود فجوة عميقة فى العلاقة بين …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.