حياتي اليوم صحيفة إلكترونية يومية
قُدّر لى أن اذهب الى شاطئ البحر ووقفت مُتأملاً ومستمتعاً بهواء البحر إلا أننى تأملت فى وجوه الناس الذين على الشاطئ فوجدت الابيض والاسمر وما بين هذا وذاك ، ووجدت المسلم وغير المسلم ، والعربى وغير العربى ، وجدتهم جميعا يسبحون فى الماء وقد ضمهم ماء البحر وقَبِلهم جميعاً ، وحينها قلت لنفسى لما لا تكون عقولنا مثل هذا البحر؟!
تقبل الجميع ويتعايش كلا منا مع الاخر دون ان يتخلى احداً عن هَوِيته ، او يذوب فى هوية الاخر وليبحث كلاً منا عن منطقه مشتركه بينه وبين الاخر ليتعايش معه ويقبله ، واكرر دون ان يتخلى عن هويته ، فعلى الرغم من قبول البحر للجميع إلا أن لونه لم يتغير ولا خواصه تبدلت، فظل صافياً،مِلّحُ أجَاجُ كما هو ، رغم كل تلك الوجوه المختلفة والجنسيات المختلفة.
أيها السادة ربما ما تأملته على شاطئ البحر هو ما دفعنى الان لكتابة هذا المقال تحت ذلك العنوان ، و للطب النفسى كلام رائع فى هذا الامر سنعرض خطوطه العريضة فوق السطور القادمة:
أولا : يجب أن نعى جميعا أن التعامل مع الناس ليس بالامر الهين وإنما يعتبر فنٌ ومهارةٌ توجد لدى البعض بينما يفتقدها البعض الآخر من النّاس ، وهذه المهارات يحتاج النّاس إلى تعلّمها والوقوف عليها وذلك بسبب تغيّر طباعهم واختلافها ، فهناك من الناس من يكون عاطفيّاً ، ومنهم من يكون عقلانيّاً وهكذا ، فالاختلاف بين النّاس في طبائعهم و خصائصهم هو من سنّة الله في الكون .
ثانياً: يقول الطب النفسى فى قاعدة ما اروعها … (أن المعرفه تصنع المفهوم ، والمفهوم يصنع السلوك ، والسلوك هو ما يمارسه الانسان على الارض ويراه الناس منه) لذلك إذا اردنا حقاً أن ننجح فى التعايش مع الآخر أياً كان الاخر فعلينا اولا أن نحصل على المعرفة الصحيحة والتى بدورها ستخلق داخلنا المفاهيم الصحيحة ومن ثم تصنع سلوكً صحيحاً..
ومن هذه المفاهيم التى يجب ان نعرفها ونؤمن بها كى تخلق بداخلنا القدرة على التعايش:
1- أنا لستٌ أنت وليس من الضرورى أن ترى ما أراه او تقتنع بما أقتنع به ، وللامام الشافعى جملة ذهبية حين قال ( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب ) وهذه القاعده هى اعلى درجات التعايش وقبول الاخر.
2- الاختلاف شئ طبيعى بل وصحى أيضا فعلينا أن نؤمن بهذا ونفهمه ونعيه جيداً.
3- لابد وأن نؤمن ونعى أن ما يصلح لك انت ربما او ليس بالضرورة أن يصلح لى ، وما يزعجك انت ربما يكون أمر طبيعى بالنسبه لى.
4- علينا أن نعى ونفهم ونتعلم مهارة أن لا نقف عن اللفظ قدر ما يجب أن نسعى لفهم ومعرفة المقصد ، ولا تحكم عليَ من مجرد لفظ قولته او حتى سلوك واحد قومت به ، ولا نحاول أن نتصيد عثرات الاخر ، بل يجب أن نساعد بعضنا البعض على أن يفهم كلا منا الاخر حتى يتضح رأيه او وجهة نظره.
5- علينا قبول الاخر كما هو حتى يقبلنا كما نحن أيضاً ، فالانسان لا يتفاعل الا مع المختلف عنه ، ويجب أن نتذكر أن إختلاف الالوان يٌعطى جمالاً للوحة والصورة.
6- يجب أن نؤمن أن الحياة تقوم على الثنائية والزوجية فأنا وانت جزء من كٌلّ فى منظومة الحياة.
7- حتى فى البيت الواحد وفى الاسرة الواحدة فعلينا أن نؤمن أن أبنك ليس أنت بطبيعة الحال ، وزمانه غير زمانك علينا أن نعى هذا حتى نستطيع أن نتعايش مع أبنائنا، وحتى زوجتك او زوجك هو او هى وجه مقابل لك وليس وجه مطابقاً لك ، فعلينا أن نسعى للتكامل وليس للتطابق.
8- علينا أن نتعلم مهارة أن ننظر للجانب الايجابى فى الناس وليكن المفهوم الذى نؤمن به دايما أن الناس يغلب عليها الخير والحب والطيبه وليس العكس ، وعلينا أن ننظر اليهم باحترام وتقدير فالناس فى بنيتهم النفسية تحتاج دائما الى التقدير والتحفيز والشكر.
9- علينا أن نؤمن إنه لا يوجد إنسان خالى من الضعف والحاجة ولولا حاجته وضعفه ما نجحت أنت لان القاعدة فى الطب النفسى تقول .. أنا عاجز من دونك انت.
10- علينا أن نؤمن بأن الحياة تتسع لنا جميعا، وأن تكسيرك لمجاديف غيرك لايزيد أبداً من سرعة قاربك.
أيها السادة …. تعالوا نصنع للتعايش مبادرهً ودعوةً نحمل نحن رايتها ونصبح لها دُعاةً ورُوادً ، وكيف لا وقد قام الرسول بِمُبادرة تعايش مع قريش رغم كل ماكانوا يفعلوه، حين قال لو دعتنى قريش لحلف الفضول لأجبت (حلف الفضول كان من اجل نصرة المظلوم) تأملوا فقد بحث الرسول عن منطقه مشتركه، نعم هؤلاء كفار ، ولكن حلف الفضول عمل خيرى ، اذاً هذه منطقه مشتركه يمكن التعايش فيها مع الاخر(قريش) وهكذا قام الرسول بالمبادره دون ان يتخلى عن رسالته وهويته وعقيدته وعن مبادئه وافكاره ونهجه ومنهجه ودعوتى لكم ان تتشبهوا برسولِكم فإن التشبه….. بالرسول فيه النجاة و الفلاح.
حفظ الله مصر … أرضاً وشعباً وجيشاً
