الأحد , 5 مايو 2024

شاهد نفسك بعيون طفلك!

= 2215

بقلم: د. علا المفتي

أذكر فيما أذكره، عن بدايات عمر طفلتي، وتحديدا، عندما كانت في الخامسة من عمرها. أنها كانت كثيرا ما ترغب، في أن أشاركها لعبها. وحيث أنها تمل سريعا، من ألعابها المعتادة. فقد كان لزاما علي، أن أجد لها فكرة مبتكرة، للعبة جديدة تلهيها. فطرأت على ذهني، فكرة للعبة ألعبها معها، وقد أسميتها لعبة “تبادل الأدوار”. ولم أكن أدرك حينها، أن تلك اللعبة هي مرآة صادقة، أرى فيها ذاتي من خلال ابنتي.

كانت تلك اللعبة، تقوم على فكرة تقمص الأدوار. حيث نتبادل أنا وابنتي دورينا، فتأخذ هي دور الأم. بينما آخذ أنا دور الإبنة. وطلبت من صغيرتي، أن تقلدني بدقة، في طريقة كلامي وتصرفاتي. وبالمثل سأقلدها، في طريقة كلامها وتصرفاتها.

وبدأت اللعبة بالمرح، والهز والضحك. إلا أنني مع استمراري في ممارسة تلك اللعبة، بدأت اتكشف بعض التصرفات، والكلمات التي تصدر مني، وتضايق ابنتي. فقد عبرت صغيرتي عن ذلك بتلقائية، وعفوية أثناء تقمصها دوري في هذه اللعبة. وأيقنت حينها، أن ابنتي أسقطت مشاعرها، وأفكارها تجاهي، من خلال اللعب.

لقد لفتت ابنتي نظري إلى عيوبي، وميزاتي كما تراها هي بأعين طفولتها البريئة. فما كان مني، إلا أن لجأت إلى طرق أخرى، أرى من خلالها وجه شخصيتي، في عيون ابنتي. فأخذت أراقبها عن كثب – دون أن تلاحظ – أثناء لعبها الإيهامي، والتخيلي. حيث تتحدث بدون قيود أو خوف. وتعبر عن كل ما يدور بخلدها، ويؤرق نفسها.

كما حرصت على متابعة رسومها، ومناقشاتها معها. كي تفسر لي أجزاءها ورموزها، دون أن أعلق أو أصدر حكما يحبط تعبيرها. بل كنت أشجعها على إنتاج المزيد من الرسوم، التي تعبر فيها عن مكنون نفسها، حتى وإن ضايقتني معاني الرموز فيها.

إن الطفل وخاصة في مرحلة الطفولة المبكرة، يصعب عليه أن يفصح عن ذاته بوضوح ودقه. لأنه لا يمتلك براعة لغوية. فهو لم يتمكن من لغته بعد. كما أن عوامل الخوف والخجل، قد تمنعه من التعبير عن ذاته بحرية.

لذا فأفضل الطرق لفهم الطفل، هي أن نفسر طريقة لعبه، ونفك رموز رسومه. فقد يعبر الطفل عن غضبه من أمه أو أبيه، من خلال نهر وعقاب دميته الصغيرة. وقد يعبر عن صورته لذاته، إيجابية كانت أم سلبية، من خلال رسم نفسه في موقف ما. كما يمكن أن نفهم علاقة الطفل بالآخرين على اختلافهم، من خلال لعبه على اختلاف أشكاله.

كذلك يمكننا فهم مخاوف الأطفال، وأمانيهم ومشاكلهم وغيرها، بتفسير تصرفاتهم أثناء لعبهم التلقائي. لكن علينا أن نفسرها بطريقة سليمة. وذلك لن يحدث، إلا بالحصول على قدر كاف، من الثقافة في مجال علم نفس الطفل وتربيته. أو باللجوء إلى المتخصصين في هذا المجال.

إن اللعب أحد أهم الطرق الإسقاطية، التي يمكننا الاستعانة بها، ليس فقط لفهم شخصية أطفالنا، ولكن لفهم شخصياتنا من وجهة نظر أطفالنا. فنكتشف عيوبنا وميزاتنا في أعينهم. فنصلح من العيوب، ونزيد من الميزات.

فالفهم هو أولى خطوات التواصل الجيد مع أطفالنا، ومع أنفسنا أيضا. فإن كنا نبغي تكوين علاقة صحية نفسيا، واجتماعيا بأطفالنا، فعلينا بالتواصل الناجح معهم، من خلال ما يحبونه من ألعاب وأنشطة. فلم يجعل الله، وظيفة الإنسان هي اللعب في مرحلة طفولته، عبثا. فنشاط اللعب لا يعد لهوا، ومتعة أوشغلا للفراغ. لكنه وسيلة للتعليم والتفكير، والتربية والتنفيس عن المشاعر، والتخطيط للمستقبل.

فاتركوا أطفالكم يلعبون، وراقبوا لعبهم، بل عليكم أيضا مشاركتهم اللعب، من أجل بناء بنوة وأبوة وأمومة، صحيحة نفسيا.

———–

* مدرس أدب وثقافة الطفل -جامعة عين شمس

شاهد أيضاً

من فضلك .. كن نفسك فقط!

عدد المشاهدات = 5943 بقلم: عادل عبدالستار العيلة أيها القارئ الكريم ظللنا لعقود طويلة ومنا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.